سياسة الاسترضاء وقطاف العلقم
عمر كلاب
25-07-2011 03:26 AM
لا تحتاج الى عناء كي تحجز مقعدا وثيرا في الصفوف الامامية والمواقع الرسمية, ما تريده فقط صوت جهور وهتاف خارق مارق الى الاذان الرسمية وبعض مواهب متدنية كي تصبح جزءا من المشهد الرسمي وتجلس على مقاعده الوثيرة سنوات وسنوات وتتداور على حكومات وحكومات وتعيد انتاج خطاب الدولة او برامجها وربما تتكشف مواهب اخرى فتحظى بموسم رباعي الدفع والسنوات في مجلس الامة.
القصة ابسط مما نعتقد ونظن, فبلد الاحلام والاوهام بالضبط هنا, بلد يحتاج فيها مثقف سنوات وسنوات كي يحقق حلم ابنه بدراجة هوائية او بمقعد جامعي في حين يجلس ابناء المحاسيب وانصاف السياسيين واشباه المثقفين على مقاعد ارقى الجامعات في اوروبا الغربية وامريكا على نفقة الخزينة, يموت فيها نتيجة لخطأ طبي او نقص في العلاج الرسمي دون مساءلة ويتعالج الفاسدون والسياسيون في ارقى مراكز الطب العالمية.
القصة بسيطة, من حمل رسالة الدولة وامن بقوتها وهيبتها ودافع عنها في مواسم القحط الوطني, يوضع في جزدان الدولة او حافظة اوراقها ويدخل جيبها الخلفي وتجلس عليه فلا تراه, هؤلاء وامثالهم باتوا عملة قديمة غير قابلة للصرف في سوق النخاسة الجديد, الذي يقبل فقط الهوائيون والمزعجون واصحاب المواقف المتقلبة والاخبار الاسنة.
منذ سنوات كانت قضية استرضاء المشاكسين والمعارضين تخضع لاسس مهنية وافضت السماحة في الحكم ان يجلس المعارضون على مقاعد السلطة للتنوير الثقافي والسياسي, فمن ينكر اضافة المرحوم وصفي التل القادم من رحم التيار القومي العربي ووطنية المرحوم عبدالله الريماوي وتربوية ذوقان الهنداوي.
اليوم غابت الثقافة القديمة التي تعيد الابناء المشاكسين الى حظيرة الدولة وحاضنتها, بعد ان باتت الثقافة سلعة قديمة وتراثية نحتاجها اكسسوارا في زوايا بيت الدولة, فبقيت الصورة النمطية بدون اطار ثقافي واحتّل اصحاب الصوت العالي المشهد وامعنوا في اغتيال كل الثقافات فلا صوت يعلو على صوت الخراب والابتزاز السياسي والمالي التي تستجيب له الحكومات والشخصيات بسرعة البرق.
منذ عشرين عاما وشخصيات بعينها تتداور على المقاعد, وشخصيات بعينها تحظى بالرعاية والعناية والجلوس في الصدر بشكل استفز كثيرين واخرجهم الى ساحة الحرج الوطني, فمنهم من بقي قابضا على غضبه ومنهم من حمل راية المعارضة الجديدة وصوتها العالي بإنتظار المكافأة وكثيرا ما تأتي, ومنهم من حمل راية معارضة المعارضة وانتهز اللحظة الغرائبية التي تمر بها البلاد فأنتج على عجل حالة صراخ سرعان ما تحولت الى موقع رسمي.
فيما بقي المؤمنون والمخلصون على حواف المشهد يتحسرّون على احلام تتهاوى وبناء يحاول كثيرون نخره بسوس غريب ومستورد بعد ان شيّدوه بعرقهم ودمهم وطهر يدهم, حزينين على مرأى اصحاب الصوت العالي وهم يتدحرجون من حلف سياسي الى حلف نقيض دون ان ترمش لهم عين, وفي المنتصف وقف كثيرون من ابناء البلد صامتين لا يعنيهم المشهد من قريب او بعيد, ويطالبون من اكل حلاوة المرحلة ان يخوض المعركة فهذه ليست معركتهم.
بصراحة، هذه ازمة الدولة اليوم وازمة ناسها الطيبون المعركة ليست معركتهم, والدولة تعاني من نقص الموارد ولم تعد قادرة على استرضاء الجميع فاختارت ان تسترضي اصحاب الصوت العالي فخسرت الكثيرين.
omarkallab@yahoo.com
الدستور