الدولة الاردنية هي من الدول القليلة في العالم العربي ، بل وفي المنطقة كلها، التي استثمرت في الانسان على خير وجه. فحتى حالات الخروج على النظام ومحاولات الاضرار به لم تلق في الاردن الا التعامل السلمي الذي لم يخرج ابداً عن اطار ونسق قبول الرأي الآخر، وتدارسه بصورة عاقلة مؤمنة بأن المعارضة ليست الا جزءا مهماً يجب قبول رأيها، لأننا لم نعرف فيها الا وجهة نظر يحق لها ان تقول وان ترى وان تطرح افكاراً تحس انها اقدر على خدمة الوطن والمواطن، وان تكون تحت مفهوم» ان الكل يسعى لبناء الوطن على احسن ما يكون واقوى ما يكون واسلم ما يكون».
ففي زمن استشرى فيه مفهوم حق القوة على نواميس قوة الحق، واصبح لا تكاد تسكت صرخة أمة مظلومة او إستغاثة وطن مكلوم إلا ونسمع عن ضحايا آخرين للظلم والقهر والإستعباد الدولي. في زمن كهذا، بدأت صافرة قطار الإصلاح تفرد أجنحتها على ربوع بلادنا العربية. وإن كانت في رأي البعض تبدو بأنها طرقت باب معاقلنا دون سابق إنذار، إلا أن ملامحها قد بدأت في حقيقة الأمر منذ أن صدر الأمر الإلهي سبحانه وتعالى باختيار محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ليكون قائد الإصلاح الإنساني وهادي الركب البشري دون منازع إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ولم يكن الأردن إستثناءً من تأثيرات موجات الإصلاح، بل يبدو وكأنه قد استشرفها قبل غيره وبزمن وتعامل معها بشيء من الجدية والاستيعاب. فكما كان للقيادة دورها في استيعاب مبدأ العملية الإصلاحية، وكان للأجهزة الرسمية دورها في قوننتها وحمايتها، كان الشعب الأردني الواعي والمدرك لمصالح وطنه وأمته هو المادة الأساسية لمجمل الإفرازات الإصلاحية التي نحن جميعاً بانتظار محطتها الأولى.
ومن زاوية أخرى، وبالرغم من هذا التجاوز او ذاك في التعامل مع الحراك الشعبي الأردني، هذا إن حدث، فإنه بداية لم يحدث بناءً على تعليمات قيادية، كما إنه لم ولن يخرج عن إطار سوء تقدير.
لا بد من وقفة تأمل لما يحصل حولنا، لنجد بأننا بخير، سواء على مستوى الوطن ام المواطن، وفي «نعمة أمنية» يحسدنا الآخر عليها. وفي نفس الوقت، الساحة مفتوحة لإبداء الرأي، والتعبير عن مكونات الوجدان الوطني، خاصة ما يتعلق بالإصلاح وطرائقه ومحطاته وتفاصيله. كما أن وطننا، والحمد لله، ليس على إستعداد للتضحية بالإنجازات المتراكمة على مدى أكثر من تسعين عاماً، من أجل أحلام قد تتحقق وقد لا ترى النور، او تلد مشوهة او ميتة. والمطلوب منا جميعاً، حماية الوطن والسهر على مصالحه، وعدم الإنجراف وراء أصحاب الأجندات المشبوهة، الذين لا يرون في الدنيا إلا السواد والسواد وحده. الذين يتطاولون على الوطن وأجهزته الأمنية – شرطة ودرك، وذلك بحجة الإصلاح والديمقراطية. لأن الإصلاح لا يعني التجاوز على سيادة الوطن وثوابته المتجذرة والمكونة من طرفي المعادلة: العشائر الأردنية والنظام الملكي الذي يحكمه الدستور.
almajali74@yahoo.com