في المثل المعروف عالميا يقال إن الأمر يتطلب شخصين للقيام برقصة التانغو، والمعنى في ذلك مشابه للمثل القائل «يد واحدة لا تصفق» أي أن على جهتين أن تتعاونا معا لتحقيق رقصة ناجحة، وبنفس الوقت لا يمكن لوم شخص واحد منهما فقط على فشل الرقصة.
في الأردن يعتبر تانغو الإصلاح فاشلا حتى الآن، بالرغم من بعض الحركات الجيدة التي يؤديها طرفا الرقصة أحيانا، والمقصود بهما الدولة باجهزتها المختلفة وخاصة الحكومة، والرأي العام الأردني بقواه السياسية والاجتماعية التي تتصدى لقيادة جهود الضغط الشعبي باتجاه الإصلاح. التانغو الأردني يتم حاليا بين راقص متردد يتمنى أن يترك ساحة الرقص فورا لأنه غير مقتنع ابدا بهذه الرقصة وهي مفروضة عليه وأحيانا يحاول تعمد ارتكاب الأخطاء وإزعاج الراقص الآخر لعله ينسحب وينتهي الموضوع. أما الراقص الآخر فهو متحمس ولكنه عشوائي في الحركة ولا يستطيع أن يقدم أداء منظما يثير الإعجاب بل أن هذا التخبط في الأداء يؤدي إلى اصطدام الراقصين وفشل الرقصة تماما.
من السهل دائما لوم الحكومة وبعض مؤسسات الدولة على تباطؤ الإصلاح السياسي فهذا يبدو جليا في بعض المحاور وخاصة التشريعات المتعلقة بالإصلاح السياسي وحتى توصيات التعديلات الدستورية كما أن بعض الممارسات التي ترافق عددا قليلا من الاعتصامات تثير غضب النشطاء السياسيين ولا تتناسب مع تقاليد وسمعة الأردن في احترام العمل السياسي.
ولكن في المقابل لا يمكن القول بأن التيارات والأحزاب والجماعات التي تقود أو تشارك في المسيرات والاعتصامات هي مجموعة من الملائكة. الأغلبية العظمى من النشاطات السياسية تتميز بحس عال جدا من المسؤولية الوطنية والانضباط والطرح السياسي الناضج، ولكن عددا قليلا من هذه النشاطات مثل اعتصام 24 آذار واعتصام 15 تموز بدا وكأنها بالفعل منفذة لإيقاع أكبر قدر من الضرر من خلال التحشيد السياسي وطرح فكرة الاعتصام المفتوح دون أهداف واضحة. هذا ناهيك عن تعمد بعض القوى السياسية مثل جبهة العمل الإسلامي الابتعاد عن اي طاولة حوار موجودة والاكتفاء بتقديم خطاب معارض لا يقدم البدائل بقدر ما يسهم في التحريض. وهذا الأمر ينطبق ايضا على بعض البيانات التي تصدرها مجموعات لا تتجاوز العشرات من النشطاء السياسيين ولكنها تحظى بتغطية إعلامية واسعة بسبب طبيعة الخطاب الذي يتجاوز السقوف التقليدية للمعارضة، ولكنها ايضا دون مضمون سياسي ناضج يتضمن بدائل واقعية للتحديات السياسية والاقتصادية. مثل هذا العمل السياسي المعارض ربما يجتذب بعض أطراف الرأي العام ولكنه بالتأكيد لا يقدم قيمة مضافة لمستقبل الدولة الأردنية.
تصيد الأخطاء والشحن المتبادل ما بين الحكومة وقوى المعارضة وإجبار وسائل الإعلام على أن تصبح طرفا في هذا الاستقطاب ليس الخيار الأنسب للدولة في مسار الإصلاح. نحن نواجه تحديات جوهرية وبل ووجودية في بعض القضايا الشائكة ومنها الإعلان المقبل للدولة الفلسطينية ومشاكل العجز في الموازنة وأمن الطاقة والمياه وهي أكبر بكثير من كافة ما يتم التركيز عليه في ساحات الحوار والمواجهات السياسية ومثل هذه التحديات تحتاج إلى توافق ومسؤولية وطنية مشتركة إذا كنا جميعا أصحاب مقصد نبيل في حماية مستقبل دولتنا وأبنائنا.
batirw@yahoo.com
الدستور