من ابرز ما خرجت به الثورات العربية من نتائج انها انهت حالة الخوف من الديكتاتور التى كانت مزروعة في عقول وقلوب الملايين من البسطاء الذين علمهم الظلم والتسلط والجوع ايضا ان النجاة من الموت هي بالخنوع لموت اخر اسمه الذل وشقيقه اسمه الهوان، وقد ادمنت هذه الملايين من الشعوب العربية الخوف وبعضها اصبح يحيا به ويحبه ويصدق شعارات الديكتاتور الكاذبة ويعتبر تطبيقها كفاحا.
لم يعد الشارع العربي منذ كلمات زين العابدين بن علي « فهمتكم – فهمتكم « معنيا بأي ديكتاتور ولا بفهمه ولا بلحظات ندمه او حتى دموعه ان حب ان يذرفها، فالزمن تغير والشعوب تغيرت معه وبدات تتعلم من بعضها البعض ان الشئ الوحيد الذي كان يعتاش عليه الديكتاتور هو «خوفها منه « وليس اي شئ اخر، وانها عندما كسرت حاجز الخوف اكتشفت كم من فائض القوة لديها، وكم هو فائض الكرامة التى كانت مهدورة موجودة في اعماقها، وكم من قوة الارادة التى كانت مكبوتة قادرة على تحطيم اركان اي كسرى من هؤلاء الديكتاتوريين.
اكتشف الشارع العربي انه يستطيع صناعة زمنه الحر رغم كل وسائل القتل والتنكيل، انه بكل حق زمن عربي جديد ومشرق يستحيل معه العودة الى الوراء او الى ممارسة الخداع وربما ما يجرى في مصر من انتباه مبكر لشباب الثورة المصرية الى ان ما يجرى على الارض ليس هو التغيير المطلوب، يدلل على ان مخزون الغضب المتراكم في صدور المضطهدين لن يهدأ باجراءات ديكورية، فالشارع المصري عاد من جديد يتفجر غضبا ليس عشقا للتظاهر كما يحاول بعض المتضررين من الحرية وصف الثوار بل هو عشق للحرية ولقوتها وهيبتها بعد ان تمكنوا من انجاز اسقاط راس النظام وبعض رموزه.
مقلق ومخزى في آن معا حجم الدماء التى تسيل في اكثر من بلد عربي ولكن السؤال هل يعتقد الديكتاتور ان رفع الكلف في حجم عمليات القتل واراقة الدماء سيجعل الشعوب تتراجع عن مطالبها بالحرية ؟؟ بتقديري سيكون واهما لأنه كان عليه ان ينتبه من البداية الى ان الذين نزلوا الى الشوارع يطالبونه بالرحيل او تغيير النظام او اسقاطه كانوا مشاريع شهادة و قبلوا مواجهة الرصاص الحي بصدور عارية، وهو سلوك ان اقدمت عليه الشعوب فعلى الديكتاتور ان يرحل او ان ينتحر لكن ان يبقى يقتل ويقتل ويشترى الوقت بالدم والضحايا فحتما سيكون قد ادخل نفسه نفق « وهم القوة « الذي سرعان ما سيخذله و الذي سرعان ما سيكتشف معه كم ان الخوف والخوف وحده هو الذي كان يحركه وان سلطته لم تكن الا عالما من الوهم والخيال المريض تهاوت رغم جبروتها وسطوتها مع كلمة « ارحل « و مع اول صورة حرقت له او كتبت عليها عبارات تتندر به ومع اول اغنية ضده في شارع او ميدان من مغن مجهول جاء من رحم الغضب والشقاء.
لن تنجح ظاهرة القذافي الدموية في التمسك بالكرسى بالتحول لنظرية مضادة لارادة الشعوب في الحرية والخلاص ولن تنجح في ان تكون مثالا لغيره من الديكتاتوريين في اطفاء لهيب الثورة بمزيد من الدماء، وليست مصادفة على الاطلاق ان نجد ان كل الثورات جرى التعامل معها بذات النهج بدءا من العنف المفرط في البداية الى الخطب والوعود الاصلاحية الكاذبة، فماذا كانت النتيجة ؟؟ الشعوب باقية والديكتاتور الخائف لا هدف له سوى الاطمئنان على الكرسى والتأكد من امكانية تحمل الكرسى له او التاكد من ان الكرسى ما زال قابلا له جليسا وليس حبيسا ، فالكراسي تغرى ولكنها ليست وفية على الاطلاق ؟؟
rajatalab@hotmail.com
الرأي