أنهت اللجنة القانونية في مجلس النواب إقرارها لمشروع قانون نقابة المعلمين، وكانت ابرز المواد في ذلك هي عدم إلزامية العضوية.

يا لجمال الديمقراطية الأردنية وتميزها.... منذ عقود خلت وحتى شهور قريبة، كان مجرد التفكير في قيام نقابة، طعناً في الدستور ومخالفةً له، واليوم يصبح الخلاف كله تقريبا، محصوراً بقضية إلزامية العضوية، على أهمية هذه المادة وحساسيتها.....وربما أيضا مسألة التمثيل....

في مسألة إلزامية العضوية، تطرح اثنتان من لجان المعلمين أسئلة عديدة حول الحريات الشخصية وحقوق الإنسان، ويشيرون إلى إجبار وإكراه للأفراد يتنافى مع قواعد الديمقراطية.... في حين تسمع رأيا مختلفا من لجنة ثالثة أن معظم المعلمين مع مبدأ الإلزامية.... وبين الرأيين أجد مشروع النقابة الوطني نافذا ولن يفسد قضيّة ودّهِ اختلافٌ في الرأي....

أتفهّم مبررات القائلين بالإلزامية، مثلما أتفهّم الرأي المضاد، ولكن أودُّ أن أشير إلى أكثر من نقطة في هذا السياق، وأدعو في الوقت ذاته إلى أسلوب ديمقراطي يخرج بالخلاف إلى اتفاق، ويستوعب كل وجهات النظر...

أولا: يعلل القائلين بالإلزامية دفاعهم، بأن ترك الانتساب طوعاً في مرحلة تأسيس النقابة، من شأنه أن يضعفها ماديا، لقلة الدخول من الاشتراكات التي ستجمع من أعضائها، مثلما سيحدُّ من قوتها في التأثير لقلة أعداد منتسبيها عند المطالبة بحقوق ومكتسبات، ويشكل هذان السببان، وربما أسباب أخرى، عمود المطالبين بالإلزامية الفقري، ففي رأيهم، ما فائدة نقابة، هزيلة ماديا وذات تأثير ضعيف في مطالبة الحقوق والمكتسبات، وهو رأيٌ جدير بالمناقشة وبالوقوف عنده، مثلما هو جدير بأن نبحث عن سدٍّ لثغرته، إذا كان الأمر يتعلق فقط بموارد النقابة المالية، وتحشيد قوة دفع للنقابة ...

ثانيا: في تجربة الدول الغربية لنقابات المعلمين، وهي المتقدمة ديمقراطياً على الأقل منذ مئات السنين، يبلغ عدد المنتسبين مئات الألوف وربما يصل الملايين أحيانا، من المعلمين العاملين والمتقاعدين والطلبة المعلمين (أولئك الذين هم على مقاعد الدراسة التي ستؤهلهم لان يصبحوا معلمين - ويدرسون لمدة سنة دراسية كاملة نحو شهادة/ دبلوم التربية العالي PGCE (.

فمثلاً، تضم نقابة المعلمين البريطانية التي تأسست عام 1870، 375,042 عضوا (إحصائيات 2006) من المعلمين العاملين والمتقاعدين والإداريين في المؤسسات التعليمية والطلبة المعلمين، باشتراك سنوي مقداره ما يعادل 206 دينار، مع مجانية الاشتراك للطلبة المعلمين. ويستمر المجلس المنتخب لمدة خمس سنوات ويوجد اتحادات أخرى صغيرة رديفة للنقابة تعنى بشؤون التعليم والمعلمين وتساهم أيضا في سياسات الحكومة في التعليم.

أمّا نقابة المعلمين الأمريكية والتي تأسست عام 1857، ففيها 3,200,000 عضو، فيما تبلغ موازنتها أكثر من 300 مليون دولار، واشتراكها السنوي ما يعادل 23 دينار والطلبة المعلمين 10 دنانير.

كلا النقابتين أعلاه لا توجب الإلزامية، وهي اتحادات عريقة ناجحة بكل المقاييس ولها ادوار تعليمية واستثمارية وتربوية وسياسية، أما سبب نجاحها، فهو البرامج التي تقدمها في رعاية المنتسبين، والحوافز التي تمنحهم إياها من المشاركة في صناديق الاستثمار المتعددة والتأمين، وتصديها للدفاع عنهم قضائيا، ورعايتها لكافة حقوقهم الوظيفية إثناء الخدمة وبعدها، بطرحٍ مميز وجذّاب يجعل غير المقتنع بفكرة الانتساب، يسعى جاهدا للانتساب إليها، لكن اللافت فيها أن من شروط قبول طلب الانتساب فيها أن يكون المعلم يتمتع بسيرة ذاتية مميزة لكي يقبل عضوا فيها !

ثالثا: تنضوي معظم النقابات واتحادات العمال في بريطانيا تحت مظلة قانون واحد (Trade Union and Labour Relations Act)، يشمل بأحكامه نقابات المحامين والأطباء والمهندسين والمعلمين وغيرها، مع تفاوت بين النقابات فيما يتعلق بالمهنة، ومن الممكن لهذه النقطة أن تطرح أسئلة مهمة حول قوانين النقابات في الأردن، إلى جهة شمولها بقانون واحد، وبالشكل الذي يمكنها من القيام بمهامها، وتكون أحكام نقابة المعلمين مثلما هي في باقي النقابات، ولكنه يشير أيضا إلى ضرورة إعادة دراسة الإلزامية في النقابات كلها، وترك الأمر لنشاط النقابة وقدرتها على اجتذاب الأعضاء وتشجيعهم على الانتساب، خصوصاً في ظل حديثٍ عن نقابات تسعى لفصل أعضاءٍ بالمئات، تخلفوا عن تسديد الاشتراكات!

رابعا: يطرح الناس أسئلة عديدة تبدو بحاجة إلى إجابة في موضوع الإلزامية، حول مبلغ الانتساب والاشتراك، والإجراءات الممكن أن تتخذها النقابة بحق العضو غير المسدد، وتوافق هذا الإجراء مع القوانين المالية النافذة المتعلقة بحقوق الأفراد، وفي المجمل سؤال مهم عن تحديد دقيق لمصطلح إلزامية الاشتراك وجوانبه القانونية، وما هو الإجراء الممكن اتخاذه مع معلم تخلّف عن دفع رسم الاشتراك مثلا...هل تملك النقابة إجراءاً غير الفصل من العضوية ؟ ماذا يفيدني أن ألزم كل المعلمين، ذكورا وإناثا، بالانتساب للنقابة، دون أن يكون لديهم أدنى استعداد للالتزام بدفع مبلغ الاشتراك التالي؟ أمّا مسألة اقتطاع مبلغ الاشتراك من الراتب، فهي مسألة يصرّ الكثير من المعلمين على أن تحظى بإجماع، وأخشى إن تكون بحاجة إلى تشريعات أخرى..

سيقول الكثير أنْ ليس كل إفرنجي ابرنجي، ولكن الكثير سيقول أيضا أنه يجب أن يكون ابرنجياً في هذا السياق، مادام أن من شروطه الأساسية حقوق الفرد وحريته الشخصية، وأود أن الفت نظر كل القراء المحترمين، أنني ما وددت في هذا المقال، تبني وجهة نظر دون أخرى، بل سعيت لأن أبيّن ما رأيته من نجاحات وخبرات أجنبية في هذا الموضوع، وفي كل الأحوال، فأني اعتقد إن السبيل للخروج من هذا الخلاف ميّسرا، بل يمكن أن يكون متاحاً، والمهم أن مسألة العضوية يجب أن تكون محاطة بكل الآراء، سعيا لأن تكون عامل نجاح لهذا المشروع الوطني، لا عامل فشل... وان نقف دوما إجلالاً لهذه المهنة ومنتسبيها..........

النائب ا.د. نضال القطامين