في بداية الستينات من القرن الماضي , دخل رجل إلى إحدى وكالات السيارات في شارع المحطة في عمان, وطلب مقابلة صاحب الوكالة وكان له ذلك . اخذ يخاطبه معرفا على نفسه, قائلا: أنا فلان , ولقد تقاعدت للتو من الخدمة بالجيش العربي, ولدي عائلة مكونة من تسعة أفراد . وكما تعلم راتب التقاعد لا يكفي لمصاريف عائلة بهذا الحجم,ولقد قصدتك كي أشتري سيارة من عندك بالتقسيط المريح, و بدون دفعة أولى ,أو كفلاء . غرضي من شراء السيارة هو العمل على ترخيصها لتعمل كسيارة نقل بالأجرة , وان شاء الله سأقوم بتسديد ثمن ا لسيارة من ناتج تشغليها, وسأتمكن أيضا من توفير دخل إضافي لعائلتي, وهذا كل ما عندي من كلام لك, فهل بأمكانك مساعتي بطلبي هذا؟
نظر صاحب الوكالة لهذا الشخص بإعجاب على ما أبداه من جرأة وصراحة, وشعر بإنه صادق, وبعد ان تحقق منه عن بعض المعلومات, من خلال عدة اسئلة, وجهها للرجل, امرعلى الفور العاملين لديه بتجهيز سيارة ,وتسليمها له في اليوم التالي ,وبدون تحديد لقيمة الدفعة الشهرية , وقال للرجل: ادفع شهريا ما يتوفر لديك من ناتج تشغيل السيارة, بعد أن تقوم بتوفير متطلبات عائلتك, وهذا ما حصل فعلا ,حيث بدأ الرجل يعمل, ويسدد شهريا ما تيسر.وفي نهاية احد الشهور , ذهب للدفع كالمعتاد, فقابله صاحب الوكالة, واطمأن منه عن أحواله ,وأحوال عائلته, و بعدها طلب منه أن يقوم بإيصاله إلى منزله, في جبل عمان ففعل , وعندما وصلوا للمنزل, أخرج صاحب الوكالة مبلغ من المال ليدفع له أجرة التوصيل, فرفض الرجل ذلك, وانطلق يسعى لرزقه, وعندما ذهب في الشهر التالي ليدفع قسطا آخر, اكتشف أن صاحب الوكالة قام بخصم مبلغ50 دينار من ثمن السيارة, جراء رفضه أخذ أجرة توصيله قبل شهر.واستمر الرجل بدفع اقساط السيارة حتى اتم ثمنها بالكامل.
هذه قصة حقيقية, وليست من نسج الخيال, ولقد استمعت اليها منذ فترة وجيزة, من الرجل صاحب العلاقة, وورد بخاطري بعد الإنتهاء من سماعها كيف كان رجال الاقتصاد الرواد في هذا البلد, يتعاملون بمسؤولية عالية مع أبناء وطنهم لمساعدتهم على تأمين متطلبات عيشهم, دون جشع غير مبرر, مثلما يحدث في هذه الأيام, حيث أصبح المواطن, ومن خلال تعامله مع محدثي النعمة من اصحاب رؤوس الاموال, من تجار و بنوك واطباء و مستشفيات و مدارس خاصة و جامعات, يشعر بأنه صيد ثمين لهولاء الجشعيين, الذين يتفننون و يبتدعون الاساليب "الشيطانية" لعصر المواطن, لآخر قطرة, دون مرعاة أي حـــــس انساني او مسؤولية اجتماعية, ولا نريد ان نقول وطنية .
رحم الله شحادة الطوال, حيث كان المقصود بالقصة السابقة, كصاحب لأحدى وكالات السيارات ,و رحم الله الرعيل الاول من رجال الاقتصاد الاردني ,الذين كانوا يتقون الله في تعاملاتهم.