الأردني بين الوطنية و(الإقليمية)
عاطف الفراية
20-08-2007 03:00 AM
عندما نشرت مقالتي الأخيرة حول الحديث الدائر عن الكونفدرالية وأبديت رأيي مضمنا إياه اشتراطات مستحيلة التحقق مطروحة بنفس ساخر.. ودعوت فيه إلى عدم الانصياع للرغبة الأمريكية الإسرائيلية بالجملة .. تعرضت لتعليقات تشي بفهم خاطئ وقراءة متعجلة اتهامية.. تأتت من مجرد الإشارة لعبارة (الشرق أردني) معزولة عن سياقها تماما..وهذه العبارة وما ولّدت من اتهامية مستفزة ومتسرعة تغريني بفتح ملف عانينا منه طويلا في أوساط مختلفة.
فأن تكون أردنيا شرقيا- وهذا قدر لا اختيار لك فيه أساسا- سبب كاف لجعلك تعيش حياتك كلها في موقف دفاع وكأن الجغرافيا أصبحت تهمة لا تنفصل عن تهم بحجم العنصرية .. والإشارة إلى عبارة (الأردني الشرقي) فقط!! تكفي لاتهامك بأنك إقليمي!! ((لا أدري ما معنى إقليمي وما عكسها؟ وما إذا كانت نقيض الوطنية أم نقيض القومية أم نقيض الأممية أم نقيض الإسلام السياسي)) ..مع أن:
1- المصري قد يتحدث في أي موضوع ويستخدم عبارات من مثل: المصري الصعيدي يتصف بكذا.. والمصري الاسكندراني لديه كذا.. والمصري القبطي يعاني من كذا..الخ.. ولا أحد يقول له : أنت إقليمي.. وقس على ذلك باقي الدول العربية
2- الأردني الشركسي عندما يسأله أحد من أين أنت ؟ يجيب أردني شركسي ولا أحد يتهمه بشيء
3- الأردني من أصل فلسطيني خارج الأردن حين يسأله أحد من أين أنت؟ يجيب: فلسطيني بجواز أردني.. أو فلسطيني من الأردن.. أو أردني من أصل فلسطيني.. ولا أحد يشكك في إجابته بل يحسب له أنه لم ينسلخ عن هويته الأصلية.. وهذا حقه بل واجبه عند الجميع..
4- طيب.. لماذا الأردني بمجرد أن يشير فقط إشارة إلى جغرافيته يتلقى سيلا من التهم؟ ويبقى مطلوبا منه أن يخجل من أردنيته.. وأن يبقى مدى الحياة في موقف دفاع وكأن أردنيته سبة عليه.. وكأنك حين تقول: أنا أردني فإنك تكون خائنا لقضايا الأمة؟ وتصل الحساسية في هذا الأمر إلى الحد الذي يهاجم فيه شخص مثلي عاش في البادية الأردنية بحكم عمله.. وفي القرية بحكم مولده.. وفي المدينة بحكم نشأته .. وفي المخيم بحكم هوى نفسه!! بل وصل الأمر في بعض المعلقين إلى اللعن!
لماذا عندما يتغزل العراقي وغير العراقي بالعراق يعتبر وطنيا.. أو يتغزل الفلسطيني وغير الفلسطيني بفلسطين الحبيبة يعتبر وطنيا.. وإذا تغزل السوري بسوريا يعتبر وطنيا.. وإذا تغزل الأردني بالأردن يعتبر عنصريا؟! .. (عن جد) لماذا؟ من لا يصدق هذا أؤكد له أن أعلى طبقات المجتمع ثقافة تعاني من هذه الظاهرة ولا تجد لها سببا.. وكأن إصرار الأردني على أردنيته خيانة !
أقول للإخوة المعلقين الذين استخدموا معي عبارات عن الفتنة النائمة وما شابه: إن الحديث بصراحة ومكاشفة ليس إيقاظا لفتنة.. ولماذا تكون الفتنة موجودة أصلا ونائمة؟ لماذا لا يكون الحديث عاديا ؟ لماذا عندما يعبر الأردني عن أنه خارج المعادلة وأنه لا رأي له في الحلول الدولية التي تفرض عليه يكون موقظا للفتنة؟ هل المطلوب منه ألا يتكلم أو يرفض أو يكون له رأي؟؟ الغريب أن الذين يردون بهذا المنطق هم أنفسهم الذين يطالبون بعدم الرضوخ للرغبة الإسراأمريكية.. !!! فيقعون في تناقض غير مفهوم لأنهم يمارسون حساسية مفرطة تجاه استخدام أنساق لغوية عادية ذات دلالات جغرافية فيحملونها ما لا تحتمل..
في هذا السياق حاول معلمونا وعلماؤنا الأفاضل لعقود عدة تجنيبنا فتح (ملف الفتنة) التي نامت منذ العهد الأموي خوفا من إيقاظها.. وخوفا من الوقوع في (مسبة صحابي) حسب تعبيرهم.. فأدى الخوف من إيقاظ الفتنة إلى تغييب دراسة أهم أحداثنا التاريخية والوقوف على تحليلات أسباب ونتائج كان من شأنها أن تحصّن الأمة من الكثير من عناصر النقص في البناء الفكري والثقافي السياسي.. فكان أن بقيت مسألة الفتنة الأولى نهبا لهوى الأنفس وكل يؤوّل ويؤلف القصص على هواه حتى تمزقت الأمة فرقا وكل فرقة بما لديها قانعة لا تسمع غير مصادرها ولا تقبل الآخر المتهم دائما .. ولأن الجميع قد اتخذ من الجميع موقفا مسبقا هو في الغالب تخوينيا.. فإنه لا مجال لحوار بنّاء يعيد اللحمة للأمة.. وعلى ذلك قس..
يا إخوتي.. لا فتنة نائمة ولا صاحية.. لنوسع صدورنا ونفترض حسن النية ابتداء.. ولا نقع فريسة لسوء الظن.. ونبتعد عن المواقف المسبقة.. ليستقيم الحوار ويزدهر الحب..
وهنا أريد أن أقرر (من وجهة نظري) حقائق أراها بدهية:
- إن الامتعاظ من تثبيت الهوية الأردنية يصب في صالح إلغاء الهوية الفلسطينية وتذويبها في مشروع (الوطن البديل)
- إن الذي يعادي الهوية الأردنية هو بالضرورة عدو للهوية الفلسطينية وحقها في العودة إلى أرضها..
- إن استخدام عبارة (الشرق أردني) لا يحمل دلالة ضد أحد، تماما مثل استخدام عبارة (المغربي الصحراوي) أو (العراقي البصراوي) أو (اليمني الحضرمي) وهكذا.
- إن الشرق أردني (في الغالب) مدنيا أو فلاحا أو بدويا هو عروبي النزعة والهوى ويعشق فلسطين ويتمنى الموت شهيدا على ثراها الطهور.