هل تتوقف العواصم الثقافية عند "سرت"
سهير جرادات
10-07-2011 01:31 PM
عمون - قبل خمسة عشر عاما إنطلقت فكرة عواصم الثقافية العربية من القاهرة ، لتنتقل بين عواصمنا الحبيبة ، وهي تحمل الراية الثقافية التي تعبر عن هويتنا ، وتراثنا وتاريخنا العربي المشترك .
اليوم ، تتوقف راية الثقافة في مدينة سرت الليبية ، حيث أطفأت الأوضاع السياسية شعلتها، وغيبتها عن الساحة الثقافية ، كعاصمة للثقافة العربية لهذا العام ، فلم تشهد أي احتفالات بهذة المناسبة لغاية الآن ، بسبب الظروف التي تشهدها ليبيا والثورة ضد النظام ، وشهدتها معظم عواصمنا العربية ، التي اندلعت فيها ثورات ومسيرات شعبية مطالبة بالإصلاح والتغيير ، ليطغى مشهد الحرب على البهجة ، التي تحملها روح المهرجانات الخطابية ، والعروض الجماهيرية ، والمسيرات الشعبية، والاحتفالات الثقافية والفنية ، وأيام الفرح العربية ،التي تتواصل في مثل هذه المناسبات مع احتفالات كل عاصمة للثقافة العربية ، إلا أن صوت الثقافة العربية ؛ بما فيها من فنون شعبية وموسيقى وتراث وغناء خفت ،ولا يكاد يسمع .
ومناسبة الحديث ، تعود إلى كتاب أقرؤه هذه الأيام لزميلي الصحفي حازم الخالدي بعنوان " رحلة بين عواصم الثقافة العربية... الطريق الى القدس " ، والذي أعادتني صفحاته ، بما تحمله من سرد قصصي جميل ودقيق ، لمشاعر الفرح والابتهاج للعواصم العربية ، فمن خلاله قدم لنا معلومات تاريخية بموضوعية متناهية ، عن واقع عواصمنا العربية ،التي تنقسم الآن ، بين الرزح تحت نير الإحتلال ، وبين الرزح تحت نير ثورات الربيع ، ومنها من ينتظر ، ومنها من يعيش في حالة الفرجة .
استوقفتني تلك المشاعر التي نقلها الزميل الخالدي ، عن كل العواصم العربية وبالذات تلك الحالة المغايرة ، التي عايشها في احتفالية مدينة القدس، التي غابت عنها مظاهر الفرح ، بسبب ما تعانيه من واقع أليم تحت الإحتلال الذي قيدها على مدى سنوات ، ليعيدنا إلى قضيتنا الأولى كعرب ، ألا وهي القضية الفلسطينية ، في غمار انشغالنا بالقضايا العربية ، التي أصبحت عديدة .. فمنذ أزمة الخليج ، إلى سقوط بغداد ، مرورا بثورات التغيير التي شهدتها تونس ومصر .. وما تشهده عواصم من ثورات تعصف بها ، مثل اليمن وليبيا ودمشق ، التي يترقب العرب نهاية لتلك الثورات .....، كل الظروف العربية ساهمت في تغيبب دورنا العربي تجاه قضيتنا الأساسية ،وهمشت دورنا تجاه القدس .
وأطرح على الخالدي مؤلف الكتاب سؤالا : هل الإحتفالات من الآن وصاعدا في جميع عواصم الثقافة العربية ، ستصبح مشابهة لتلك الحالة التي شهدتها القدس ،عندما استقبلت احتفاليتها العربية بحزن شديد، وهي تعيش زمن الحصار ؛ والجدار العنصري الذي يغلف محيطها والذي فرضته سياسة الاحتلال البغيض ، والإنتهاكات المستمرة ضد المسجد الأقصى ،بحجة تنفيذ المزاعم الصهيونية لإعادة بناء الهيكل اليهودي المزعوم؟.
واليوم ونحن نتوقف عند عاصمة الثقافة العربية في "سرت " ، التي ما زالت تحمل الراية بلا احتفال ، منذ إعلانها عاصمة للثقافة العربية ، لييبدأ احتفالها بنيران الثورة وازيز الرصاص ، بدلا من الألعاب النارية الاحتفالية ، ولا تدري لمن ستسلم الراية من بعدها مع نهاية العام، فلا مؤشرات على أيام ثقافية تعزز من قيمة" سرت " ، كعاصمة ثقافية حملت شعارا غير مطبق " الثقافة العربية وطنا و.... عاصمة ".
نجح الزميل حازم الخالدي بنقل مشاعره العروبية ، التي فرغها لنا في كتاب حمل جزءا من مشاعره وأحاسيسه ، وكأن لسان حاله يقول " أنقذوا عواصمنا العربية .. لتبقى منارات حضارية وثقافية تورث للاجيال " .
واليوم ، ونحن نقف عند " سرت "، أوجه دعوة لزميلنا ، لكتابة جزء ثاني من كتابه بعنوان " رحلة افتراضية لعواصمنا الثقافية العربية " ، يتضمن شعارات الإحتفالية " الثقافة العربية وطنا ، والتغيير والإصلاح ..."عاصفة" الدول العربية " .
وارجو أن لا يخفت عزمه في الكتابة عن عواصمنا ، حتى لو باتت كل عواصمنا الثقافية محاطة بثورات الإصلاح والتغيير .
سهير جرادات
Jaradat63@yahoo.com