بعد جدل طويل بين السياسيين والاقتصاديين قرر رئيس الوزراء معروف البخيت الانتصار للفقراء ومحدودي الدخل وعدم رفع أسعار المحروقات. الرئيس انحاز لخيار فريقه السياسي وبرنامجه الحكومي حينما راعى الأبعاد الاجتماعية والسياسية للقرار، ورفض الحل السهل الذي قدمه فريق الاقتصاد من أجل الخروج من المأزق.
بيد أن قرار البخيت لا ينهي المخاطر المحدقة بالاقتصاد، فالمشكلة لا تنتهي عند هذا الحد، بل تبدأ به.
قرار الرئيس "محمود" كونه قدّر المعطيات السياسية على أرض الواقع وقدمها على مخاوف الفريق الاقتصادي الذي لم يقدم مقترحا للحل، ما يدلل على ضعف تقديره للوضع الاقتصادي الخطير الذي يتضاعف كل لحظة. بعد حسم الحكومة الخلاف، يمكننا أن نركز اليوم في البحث عن بدائل أخرى لحل الأزمة، وهو الأمر الذي يتطلب تحركا رسميا، لا أدري إن كان الفريق الاقتصادي الحالي مؤهلا لحمله. لكن تقديم الرأي واجب في هذا الظرف حتى نحكم لاحقا على أداء الفريق في تخفيف منابع الخطر على الاقتصاد.
من حيث المبدأ، لا يبدو أن القلق الكبير على الدينار مبرر، خصوصا أن أرقام احتياطي المملكة من العملات الصعبة تشهد مستوى ممتازا في الوقت الحالي، وتصل قيمتها 11 بليون دولار.
لكن أكثر ما يقلقنا، هو إدارة الوضع المالي وهل سيتم تغطية عجز الموازنة بالاقتراض باعتباره سبيلا سهلا، أم أن المسألة تستحق المناورة من أجل تحسين مؤشرات معينة بهدف تخفيض منسوب الخوف.
المؤشرات التي تتطلب العناية هي تلك المرتبطة بميزان المدفوعات وعجزه، وتحديدا الاستثمار، وصادرات السلع والخدمات، وحوالات العاملين في الخارج من أجل تغطية الحساب الجاري والحساب الرأسمالي بشكل يسهم بتحسين وضع ميزان المدفوعات.
بالتركيز على هذه العناصر وعلى تلك المرتبطة بتصدير الخدمات والسلع مثل السياحة بجميع أشكالها الترفيهية والعلاجية والدينية، نحمي الدينار والاقتصاد من أزمة مشابهة لأزمة 1989.
والظاهر أن النية ضعيفة حيال إعادة النظر في النظام الضريبي بشكل ينسجم مع الدستور ويحقق العدالة ويزيد الايرادات المتأتية من قطاعات بعينها "كانت حصلت على معاملة تفضيلية"، إضافة الى زيادة الضريبة على السلع الكمالية، أو حتى فرضها على الأرباح الراسمالية.
والبحث عن حلول مؤثرة يتطلب اتخاذ قرار شجاع بوقف جميع النفقات الرأسمالية وتخفيض الممكن من الإنفاق الجاري. من ناحية أخرى، على الخطط الحكومية التركيز على النصف الثاني من المعادلة وهو المتعلق بالمستوردات بحيث تتخذ قرارات تحد من الاستهلاك، وتحديدا ما يتعلق بفاتورة النفط التي تشكل أساس تفاقم عجز الميزان التجاري.
ضبط الاستهلاك، يتطلب الالتزام بخطة صارمة توصل رسالة جلية للمستهلك، بأن الوضع جاد ويتطلب تعاون الجميع. وبعد الاعتماد على النفس واستنفاد الخيارات المحلية، لا ضير من طرق أبواب أشقائنا العرب للحصول على مساعدات. أمام الحكومة الكثير لتفعله، وما تزال الفرصة سانحة لتقدم حلولا تحمينا من وقوع المحظور.
الغد