** تعديلات لا بد منها لتسريع خطة الاصلاحات ..
الاستمرارية ليست الميزة الوحيدة لما بات يعرف بالحراك الشعبي في المحافظات, ففي الاسبوعين الاخيرين تبدت مظاهر جديدة لهذا الحراك كانت على النحو التالي : ولادة هيئة تنسيقية موحدة لحراك المحافظات, تتولى اصدار البيانات التوجيهية ورفع شعارات موحدة, بمعنى اخر صار للحراك عنوان واحد يضبط ايقاعه وينسق فعالياته. وفي محاولة لمحاكاة تجارب عربية بادر المنظمون الى اطلاق تسميات لمسيرات الجمعة, الاسبوع الماضي حمل اسم جمعة العار في تعبير عن الغضب من نتائج تصويت النواب على تقرير الكازينو, أما الجمعة الاخيرة فحملت شعار "كفى". المظهر الثالث للحراك, اتساع رقعته الجغرافية التي شملت محافظات جديدة لم يسبق ان شهدت حركات احتجاج من قبل, ففي الاسبوع الاخير انضمت مادبا والمفرق وجرش الى باقي المحافظات. لكن اتساع الدائرة الجغرافية للحراك وتواصله على مدى ثمانية اسابيع لم ينعكس على اعداد المشاركين التي ظلت في حدود المئات في كل محافظة, واحيانا بالعشرات.
اي ان الحراك الموصوف بالشعبي لم يكن في واقع الحال شعبيا او جماهيريا باستثناء بعض الجمع في الطفيلة. شعارات المسيرات ظلت تراوح داخل ثنائية الاصلاح ومكافحة الفساد, الجديد في هذا المجال ارتفاع سقف الانتقادات في بعض المناطق, خاصة معان, وازدياد حدتها في معظم المحافظات بحيث طالت اسماء بعينها وبلغة قوية وغير مسبوقة في النقد والتشبيه.
والميزة الاخرى للحراك انه يقتصر في الغالب على ايام الجمع فقط, يبدأ في موعد معروف "بعد الصلاة" وينتهي في وقت محدد لا يتجاوز الساعة الثالثة بعد الظهر. المشهد في عمان لا يختلف كثيرا عن المحافظات الا من حيث طبيعة الجهات المنظمة, حيث يبرز بشكل اوضح دور الاحزاب والحركة الاسلامية على وجه التحديد, التي تتحكم ايضا باعداد المشاركين وفق حسابات سياسية ودرجة التصعيد المستهدفة مع الحكومة.
في الاوساط السياسية والرسمية هناك انقسام في تقدير مدى اهمية وخطورة حراك المحافظات, فريق يرى فيه بوادر لانتفاضة شعبية واسعة ومواجهة مباشرة مع النظام برمته سيترتب عليها تداعيات خطيرة. الفريق الاخر يعتقد انها في حدود قدرة الدولة على الاحتواء ولا تشكل خطرا وشيكا على الاستقرار, ومسيرات الجمعة من وجهة نظرهم تحولت الى نشاط روتيني لا يؤثر على سير الحياة العامة او يعيق المؤسسات عن اداء وظائفها.
يصعب التسليم بواحد من التحليلين من دون اخذ الاخر بعين الاعتبار, ذلك ان الثورات الشعبية العربية نسفت نظريات الثورة التقليدية وقدمت نماذج غير معهودة, فمن منا كان يتخيل سقوط نظام مبارك بهذه السرعة, ومن تصور ان اقدام شاب تونسي في بلدة قصية سيشعل ثورة تطيح بحكم بن علي البوليسي.
صحيح ان الحراك الاردني في الحدود الامنة من حيث مستوى اتساعه وسقف شعاراته, والدولة الاردنية قبل هذا وذاك ليست دولة قمعية او دموية, لكن للثورات اسباب اخرى غير القمع, منها على سبيل المثال الفساد وغياب المساءلة, وفي حالتنا يمكن ان نضيف حزمة من المشاكل السياسية والاقتصادية التي تساوي في تأثيرها او تفوق القمع في دول اخرى.
المطلوب في هذه المرحلة هو ضمان بقاء الحراك الشعبي في مستواه الحالي وعدم استفزاز القوى المنظمة له والانخراط في حوار جدي معها, ليس بهدف شراء الوقت, وانما استعداد مشترك لمرحلة الاصلاحات المقبلة وفي المقدمة منها تعديلات الدستور التي شارفت على الانتهاء.
لقد تأخرنا كثيرا وترددنا في اتخاذ الخطوات اللازمة للاصلاح في زمن الثورات, وهذا مبعث عدم الثقة بجدية الدولة, لتجاوز هذه الحالة ينبغي اجراء تعديل فوري على خطة الاصلاحات, ما المانع مثلا من اقرار قانون الانتخاب الجديد في الدورة الاستثنائية نفسها التي تقر التعديلات الدستورية, ثم التوجه لانتخابات مبكرة وقبلها بقليل تشكيل حكومة جديدة تتولى الاشراف على الانتخابات. وفي الاثناء الا يمكن تسريع البت بقضايا الفساد وجلب المزيد من المشتبه بهم الى القضاء, والشروع في اعداد قانون "من اين لك هذا". ستساهم هذه الخطوات في تخفيف الاحتقان, واحتواء الحراك وتوجيهه نحو قنوات سلمية, والانتقال بالاصلاحات من مرحلة التنظير الى مرحلة التطبيق.0
fahed.khitan@alarabalyawm.net
العرب اليوم