على نحو لافت تحاول تل أبيب وعن قصد الخلط بين مسألتين: حق العالم الخارجي في توجيه النقد لسياسات إسرائيل من جهة ومحاولات نزع الشرعية عنها- إن وجدت- من جهة أخرى. الهدف واضح وهو لإخراس العالم عن انتقاد سياسات توسعية لم تجلب إلا حالة من عدم الإستقرار في المنطقة. ونشير هنا إلى قرار إسرائيل الأخير بمصادرة 189 دونم من أراض الضفة الغربية لاضفاء «الشرعية» على أحد البؤر الإستيطانية، وفي ذلك مخالفة صريحة لالتزام قطعته تل أبيب على نفسها للولايات المتحدة منذ ثلاثة أعوام.
وتقود إسرائيل حملة كبيرة من أجل ثني أعضاء الأمم المتحدة عن تأييدهم واعترافهم بدولة فلسطينية على أساس حدود الرابع من حزيران، وترى إسرائيل بذلك خطوة فلسطينية أحادية، وتصر على أن ما يقوم به الفلسطينيون يصب في محاولات نزع الشرعية عن إسرائيل.
بؤس منطق تل أبيب واضح لدرجة أن شلومو أفنيري انتقد ذلك، ويقول أفنيري أنه لا توجد دولة واحدة في العالم تعترف بإسرائيل وتشك في شرعية وجودها، ولا يرى أفنيري بالمطلق أن اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين- في حال حصولة في شهر سبتمبر القادم- بأنه يأتي في سياق نزع الشرعية عن إسرائيل وحتى لو سبب مشاكل لحكومة نتنياهو.
التهديد المباشر الذي تواجهه إسرائيل لا يأتي من محاولات الفلسطينيين في إقامة دولة لهم، بل يأتي التهديد من داخل إسرائيل نفسها لأنها ترفض ترسيم الحدود بينها وبين الفلسطينيين. وبالفعل باءت بالفشل كل المحاولات التي بذلت لترسيم الحدود على أساس خط الرابع من حزيران مع قبول مبدأ تبادل الأراضي حتى تتمكن إسرائيل من ضم بعض الكتل الإستيطانية، ولم تنجح واشنطن من اقناع إسرائيل بهذا المبدأ. والحقيقة الماثلة للعيان هي أن سياسة تل أبيب ولغاية الآن لم تتجاوز لعبة شراء الوقت مع الاستمرار بالتوسع في مشروعها الاستعماري والإستيطاني في الأراضي الفلسطينية لعلها تتوسع وتضم أكثر من نصف أراض الضفة الغربية بما فيها غور الأردن الذي يشكل ما يقارب من 30% من أراض الضفة الغربية.
هذا هو السبب الرئيس في محاولات إسرائيل النيل من كل الذين يوجهون انتقادات لسياسات إسرائيل التوسعية، ولهذا السبب تناول هنري سيغمان القضية وتساءل عن حقيقة من يحاول نزع الشرعية عن من؟ فكيف ينزع الفلسطينيون الشرعية عن إسرائيل وهم لا يطالبون إلا بحدود عام 1967 ولا يطالبون بإنش واحد من أرض احتلتها إسرائيل في عام 1948؟
المفارقة هي أن أمام التضليل الإسرائيلي نجد امتثالا عربيا، فما زال الموقف العربي يتمحول حول التحذير من فشل عملية السلام وكأن هناك عملية سلام، فلا نجد موقفا عربيا واحدا يمكن فهمه بأنه يقع في سياق رفع الكلفة على استمرار الوضع الراهن الذي لا يخدم سوى مشاريع إسرائيل التوسعية على حساب الفلسطينيين، وما زالت الدعوات التي تصدر هنا وهناك لا تتجاوز استئناف المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وكأن هذا التمرين الممل لم يجرب من قبل؟! باختصار، إسرائيل هي من يحاول نزع الشرعية عن الآخر، وإسرائيل تستعمل عامل الوقت للتوسع، فماذا نحن فاعلون؟!
hbarari@gmail.com
الرأي