فوق بركان "الأزمة المالية"
د. محمد أبو رمان
07-07-2011 03:47 AM
السجالات السياسية الحالية، التي تشغل حديث النخب والأحزاب، هي بمثابة "ألعاب ترفيهية" لدى الشارع والمواطنين، عند الحديث عن الشأن الاقتصادي، والأزمة المالية الحالية.
لا حديث يعلو على "الهم اليومي" الاقتصادي لدى الناس، مع ارتفاع منسوب القلق الشعبي من الأزمة الحالية، وما يمكن أن ينتج عنها من نتائج وآثار تصيب الحياة اليومية للشريحة الواسعة التي تعاني منذ سنوات من عدم القدرة على "التكيف" مع الضغوط الاقتصادية، مع بروز السيناريو المرعب لدى الناس بانقطاع الكهرباء، على أبواب الشهر الفضيل وفي حرّ الصيف.
الآن، رئيس الحكومة يقدّم رِجلاً ويؤخّر الأخرى مع إلحاح "الفريق الاقتصادي" باتخاذ فوري لقرار "تعديل سعر المحروقات".
يحاجج الوزراء السياسيون بأنّ الرفع بمثابة "انتحار سياسي" للحكومة، في هذه اللحظة المفصلية، وعلى أبواب الشهر الفضيل، وفي ظل حالة من الاحتقان والتربص الواضح من المعارضة، التي ستمسك بهذا القرار، لتشعل الشرارة في أجواء مشبعة بغاز الإحباط وخيبة الأمل وفجوة الثقة مع الدولة، وشعور ساخط عام من الفساد والسياسات الرسمية.
على الطرف الآخر؛ يتحدث الفريق الاقتصادي عن خيار وحيد لإنقاذ الاقتصاد الوطني، وهو إعادة تعريف أسعار المحروقات، مع تثبيت سعر الغاز (برغم أن الكلفة اليومية الحالية له نحو 5 ملايين دولار يومياً)، في وقت زاد فيه دَين المصفاة على شركة الكهرباء على البليون دولار، وهو رقم كبير جداً.
الفريق الاقتصادي يقول: إمّا الرفع أو مزيداً من الديون، وإصدار ملحق بالموازنة، وتخطّي سقف الدين، فانهيار الموازنة، ما يعود بنا إلى وصفات "المؤسسات الدولية"، واهتزاز الاستقرار النقدي والاقتصادي، وهو سيناريو مرعب.
يلخص أحد خبراء الاقتصاد في الحكومة الخيارات بالقول "نحن أمام المرّ أو العلقم، ولا نملك ترفاً في الوقت أو البدائل". العجز والمديونية يتضاعفان، مع بروز مؤشرات مقلقة، خلال النصف الأول من العام الحالي، في ظل حالة من الركود الاقتصادي، وتراجع في احتياطات المملكة من الدولار بمقدار بليون دولار.
"عصا موسى" تتمثل بمساعدات شقيقة تصل إلى حدود البليوني دينار لتطفئ العجز تماماً، وتعيد البلاد إلى الضَوء البرتقالي بدلاً من الأحمر. إلاّ أنه باستثناء الـ400 مليون دولار من السعودية، فإنّ كل ما يلمسه المسؤولون إلى الآن ليس أكثر من "مشاعر أخوية دافئة"!
بالتأكيد؛ المواطن في الشارع لن يتقبل هذا الخيار برحابة صدر، إذ يعتقد أنّ هنالك اختلالاً في العدالة الاجتماعية، وهو مسكون بالغضب الشديد من الفساد. لكن في المقابل، فإنّ سيناريو انقطاع الكهرباء واختلال قيمة الدينار وانفجار العجز والمديونية أشد فتكاً به وبمستقبل البلاد بأسرها.
"الوصفة الاقتصادية" التي تحكم البلاد، منذ سنوات، أضرّت كثيراً بطبقة عريضة من المواطنين، وهي أزمة أصبحت فوق الحكومات العابرة، لكننا لم نلمس إلى الآن رؤية استراتيجية اقتصادية بديلة، ولو على مراحل، لكنها تعيد تعريف الأولويات والأهداف التنموية وتنزل بنا إلى الأرض بعد "التخبط الاقتصادي" والفساد المالي، الذي أوصلنا إلى هنا!
إلى حين ذلك التحول الاستراتيجي، الجميع مطالبون بأن يتجاوزوا الخلافات السياسية، والتفكير جدياً في تعبيد الطريق للخروج من الأزمة المالية الراهنة، لأنّ النتيجة لن تكون لصالح طرف ضد آخر، وليست مجالاً للتنكيل السياسي، بل ستصيب الطبقة العامة من المواطنين، والاقتصاد الوطني بأسره، وهذا ما لا يتمناه أي مواطن غيور.
دعونا نفرّق بين مواقفنا السياسية والتأكيد على محاسبة المسؤولين عن هذه الحالة ومراجعة المسار، وبين أولوية الخروج من الأزمة الراهنة والتعامل معها.
m.aburumman@alghad.jo
الغد