إذا كان رفع أسعار المحروقات تبعاً لما يحدث في العالم أمراً مفروغاً منه، لأن الخزينة الأردنية التي تشكو من العجز وعبء المديونية لا تحتمل حرق مليون دولار يومياً لإبقاء الأسعار المحلية للمحروقات على حالها.وإذا كان لا بد من إلغاء أو تخفيض الدعم المقدم للأعلاف المستوردة تبعاً لارتفاع أسعارها في الخارج، ولأن الخزينة الأردنية لا تستطيع أن ترش على أصحاب المواشي نصف مليون دينار يومياً لإبقاء كلفة الأعلاف على حالها، وإبقاء مربي المواشي عالة على المجتمع.
إذا كان كل هذا تحصيل حاصل، ولا تستطيع أية حكومة مسؤولة أن تتجنبه، فلماذا التردد والتأجيل والتأخير، الذي لا ينتج سوى تراكم المزيد من الخسائر.
بعض التردد والتأجيل والتأخير في صنع القرارات الحاسمة يعود لكون صاحب القرار يرى الموضوع من زوايا مختلفة، وطرق متعددة للتعامل معه، وعندما يقترب خطوة من نقطة القرار تبرز أمامه سلبياته، فيتراجع خطوتين لعل هناك بدائل وخيارات أخرى. هذا الوجه الإيجابي لعملية صنع القرار الحصيف ينقلب إلى حالة من الشلل وإضاعة الوقت الثمين إذا تجاوز الحدود الصحية.
بعض التردد من جانب مسؤول ما في اتخاذ قرار عاجل يعود لاعتبارات شخصية. كأن يكون شديد الاهتمام بشعبيته، ويريد أن يكون ويظل مقبولاً من الجميع، وخاصة من أصحاب الأصوات العالية. وقد دلت التجربة العملية على أن أكثر الناس حرصاً على كسب ود الآخرين على حساب المصلحة العامة يحققون نتائج عكسية، والأمثلة عديدة ومعروفة.
قد تكون هناك أزمة معينة يجتازها البلد وتدعو الحكومة إلى التريث حتى لا تتعايش مع أزمتين في الوقت ذاته، وهذا خطأ كبير، لأن معناه إعطاء كل أزمة وقتاً كافياً للطخ على الحكومة والانفراد باهتمام الرأي العام.
في جميع الحالات فإن القرار الصعب يجب أن يدرس بعناية ولكن بسرعة، فالمشكلات لا تتحسن بل تسوء بمرور الوقت. ووزارة المالية تتحدث عن نزيف مالي، فهل يأخذ مجلس الوزراء وقتاً طويلاً قبل أن يوقف النزيف.
الصحف أعلنت عن تفاصيل الزيادات في أسعار المحروقات، وبالتالي فالتأثير على شعبية الحكومة حاصل سلفاً، وليس لتأجيل القرار من أثر سوى استمرار النزيف المالي بمبلغ مليون دينار يومياً.
(الراي).