معضلة الغاز المصري وخيارات الطاقة
باتر محمد وردم
06-07-2011 04:24 AM
عندما يقوم 5 ملايين أردني على الأقل بإشعال قوابس الكهرباء في كل صباح فإنهم يتوقعون ويعتادون على تدفق متواصل وآمن للطاقة الكهربائية إلى المنازل والمعامل والمكاتب والمزارع وكافة أنواع النشاطات الإنسانية المعتمدة كليا على الطاقة. هذا التصور كان مبنيا على حقيقة أننا لم نكن ابدا بحاجة إلى نقلق بشأن إمدادات الطاقة، فقد كان النفط ومشتقاته يصلان إلينا من العراق بأسعار زهيدة وبكميات كبيرة وتوجد مصفاة واحدة مركزية تقوم بكل أعمال التكرير وصناعة المشتقات النفطية وتحدد الأسعار في السوق بسبب عدم وجود منافس، وهي كانت أسعارا مناسبة جدا لكون الشركة حكومية بالدرجة الأولى.
لكننا يجب أن نقلق وبشدة الآن، بل وأن نرفع من ملف امن الطاقة إلى واحدة من أهم أولويات الأردن وربما أعلى من بعض الملفات السياسية، وبالتاكيد أهم من ملف الكازينو الذي يسيطر على الرأي العام والحكومة ومجلس النواب منذ اسابيع. التفجير الثالث لأنبوب الغاز من مصر إلى الأردن، خلال 4 اشهر يعني وبشكل واضح نهاية أمن التزود بالغاز الطبيعي من مصر. هذه أخبار سيئة لكل تفاصيل تخطيط قطاع الطاقة في الأردن والذي يعتمد بشكل اساسي على الغاز الطبيعي، حيث أن استراتيجية الطاقة الوطنية 2007- 2020 تهدف إلى رفع مساهمة الغاز الطبيعي في خليط الطاقة الكلي من 26% حاليا إلى 29% في العام 2015 وهذا يتطلب زيادة كبيرة في كميات الغاز الطبيعي المستورد والذي سيعوض تقليص إمدادات النفط المكلفة.
كل هذا كان مبنيا على افتراض قوي في العام 2007 بأن تدفق الغاز الطبيعي من مصر وبكميات واسعار مناسبة لن يتوقف، ولكن التغيير في مصر وفتح ملف الفساد في تزويد إسرائيل بالغاز الطبيعي بأسعار تقل 200% عن السعر العالمي عطل كل اتفاقيات الغاز المصرية مع المستوردين وفرض ضرورة تغيير الأسعار لتصبح أكثر قربا من السعر العالمي وهذا بحد ذاته يعني مضاعفة التكلفة على الأردن. وإذا كانت مشكلة الكميات تعتبر كبيرة فإن هذه التفجيرات المستمرة التي توقف الإمدادات وتجر الأردن على التحول إلى المخزون الإستراتيجي من الفيول وبكلفة على الخزينة لا تقل عن 2,5 مليون دولار يوميا هي معضلة كبرى تبحث عن حل.
تحسن العلاقات الدبلوماسية مع قطر قد يفتح الآفاق أمام اتفاقية لاستيراد الغاز القطري، وهنالك بعض المفاوضات مع روسيا بهذا الشأن ولكن تكلفة البنية التحتية عالية جدا. وفي المحصلة فإن أزمة الطاقة هي معضلة حقيقية في الأردن على الجميع المشاركة في حلها وأن تكون الخطوة الأولى هي ترشيد الاستهلاك.
بصراحة، يجب دعم قرار الحكومة برفع كلفة الكهرباء على الاشتراكات التي يتجاوز استهلاكها 750 كيلوواط وهذا يعني أن الزيادة ستكون غالبا على المصانع والشركات والاستثمارات السياحية والخدمية والمستخدمين الكبار لأن استهلاك الغالبية العظم من العائلات في الأردن لا يتجاوز 750 كيلواوط، وفي حال تجاوز فهذه دعوة وحافز لترشيد الاستهلاك مع أن نسبة الاستهلاك سوف تزيد كثيرا مع المكيفات في الصيف الأردني الذي بدأ يزداد حرارة نتيجة التغير المناخي منذ عدة سنوات.
ستبقى الخزينة العامة تعاني من العبء المالي في حال استمرت المشاكل في إمدادات الغاز المصري فالخيار النووي حتى لو تم ضمن الشروط العالية من السلامة وحماية البيئة لن يدخل الإنتاج إلا في العام 2020 وكذلك الصخر الزيتي أما الطاقة المتجددة فلا تزال الدولة تعاملها بإزدراء مؤسف ولا يزال مشروع قانون الطاقة المتجددة في أدراج مجلس النواب منذ عدة أشهر وبدون أسباب منطقية.
مشكلة الطاقة في الأردن تتفاقم وبحاجة إلى حلول ذكية وسريعة وهي ليست فقط مسؤولية الحكومة بل مسؤولية مشتركة من الجميع.
batirw@yahoo.com
(الدستور)