المجلس المنحلّ .. لا ربط ولا حلّ
فايز الفايز
19-08-2007 03:00 AM
لم يكن قرار حل مجلس النواب مفاجئا ، ولكنه نزل كالصاعقة على بعض النواب " السابقين " ظهر اليوم ، خاصة ممن كانوا في مكاتبهم يجرون اتصالاتهم بالصفة الرسمية ، أو يلجون للتو دهاليز المكتب الدائم
في المجلس .. والوضع كما وصفه أحدهم " كالموت " يعرف الإنسان أنه نهاية محتومة ولكن طول الأمل يجعله يحاول تكذيب وقوعه . الإرادة الملكية توشحت بالتوقيع من السدة الملكية عند تمام الساعة الثانية ظهرا بعد رفعها لجلالة الملك ليمهر توقيعه السامي عليها ، وما هي إلا دقائق حتى أعُلن عنها رسميا ، حيث كان رئيس المجلس المهندس عبدالهادي المجالي في مكتبه بمجلس النواب ، ونقل الخبر له الأمين العام للمجلس فايز الشوابكة ، الذي أخذته الحيرة في التعامل مع النواب الذين كانوا في المجلس ، والذين كانوا مشدوهين لدرجة الإنكار من قبل بعضهم ووقعوا في حيص بيص .
المهندس عبدالهادي المجالي غادر على الفور مكتبه الى وجهة غير معلومة حينها ، والأرجح إنها كانت الى البيت ، أو الى منزل شقيقه رجل الأعمال عبد الحي المجالي الذي طالما كان منزله العامر يعج بالسادة النواب وأصحاب الحلّ والربط ، في ليال سابقة !
أول رد فعل للسادة النواب السابقين كان سؤالهم عن لوحات سياراتهم السابقة " النمُر البيض " ، وذلك بعد أربع سنوات من تسلمهم " لوحات مجلس النواب " ، ما أثار استغراب الأمانة العامة للمجلس ، فاللوحات القديمة عند النواب القدماء ، الذين ضاق بهم المجلس على رحابته ، وهم يجمعون أوراقهم الخاصة وصورهم ، وأشياءهم التي في أدراج المكاتب ، حتى ان بعضهم لم يلتفت الى مدراء مكاتبهم الذين تعالت أصواتهم بالشكوى والتذمر .
مديرة مكتب أحد النواب قالت : إن الخبر كان مصيبة بالنسبة لنا ، حتى إنني أخاف ان أغادر المجلس رغم انتهاء الدوام الرسمي .. ولا تزال هناك آمال عند بعضهم ، مع إن نص قرار تعيينهم كان واضحا ، فقد جاءوا على حساب المكافأة ، ليعملوا مع النواب ، وتنتهي مدة عملهم مع انتهاء النائب من " نيابته " !
وقد خابت آمال العديد من النواب الذين كانوا يأملون في تمديد المجلس لسنة أخرى ، وزاد أملهم بعد إشاعة من مصدر قالوا إنه موثوق خلال الأيام القليلة الماضية ورفع وتيرتها انتهاء الأسبوع الماضي دون صدور أي قرار بحل المجلس ، وهكذا ضاعت الفرصة على بعضهم في كسب رحلة خارج حدود الوطن على حساب المجلس ، فقد كانت هناك دعوة رسمية من مجلس الشعب في السودان ، و انعقاد مؤتمر البرلمان العربي الانتقالي في دمشق ، و مؤتمر الاتحاد البرلماني العالمي في جنيف في شهر أيلول القادم .
النواب الذين عادوا الى قواعدهم الانتخابية منذ فترة ، يحلمون بإعادة الثقة لأنفسهم عند الجماهير التي ارتفعت أصواتها مرات كثيرة معترضة على إداء المجلس خلال الفترة السابقة ، خاصة بعد ان مرّت عبر المجلس العديد من القرارات الحكومية التي ضربت مفاصل الشعب ، وأوجعت أمعاءه ، ولعل من أهمها رفع أسعار المحروقات ، وقانون المطبوعات والنشر ، و بعض القوانين المتعلقة بالضريبة .
وإذا كانت مصائب قوم عند قوم فوائد .. فإن مصيبة السادة النواب كانت سببا للبهجة والأفراح عند الكثير من أفراد المجتمع الذين كانوا ينتظرون هذه اللحظة ليرفعوا أيديهم بالدعاء الى الله شكرا وتعظيما أن أزاح عن صدورهم " كذبة جاثمة " أسمها " نواب الأمة " حسب رأي العديد من المواطنين .. حيث انهم كانوا يتوقعون من نوابهم حلا لكثير من مشاكلهم ومطالبهم المتكررة ، التي كانت تصطدم أحيانا في تلكؤ البعض من النواب ، وأحيانا في سلبية مواقف الحكومة تجاه كثير من طلبات أعضاء المجلس ، وخاصة خلال الثلاث حكومات السابقة ، فقد بدت المناكفات واضحة جلية ، بين المجلس وبين الحكومة وعلى أسباب شخصية ، أو بين بعض النواب وبعض الوزراء لذات الأسباب .
وهنا نستذكر الهجمة الشرسة من قبل النواب على وزير التخطيط في حكومة فيصل الفايز ثم وزير المالية الدكتور باسم عوض الله ، والتي وصفها البعض بغير المبررة ، وانطلقت من البون الشاسع بين أفكار الرجل وأفكار النواب الذين كان العديد منهم يخطئون في قراءة كلماتهم على منصة المجلس .. ولعل أبرز المواقف المضحكة هي التي حدثت في جلسات الثقة لحكومة معروف البخيت ، حينما قرأ نائب إسلامي مادباوي جملة " وإنني أطالب حكومة الدكتور معروف الدواليبي " بدلا من معروف البخيت ، ما أثار هرجا ومرج داخل قبة المجلس ، ومعروف الدواليبي رحمه الله كان رئيسا للوزراء في سوريا عام 1962 ، وتوفي عام 2004.
ويتساءل البعض ـ وأنا منهم ـ كيف ستسوى بعض الأمور بينهم وبين بعض النواب الذين " جارّ عليهم الزمن " واقترضوا مبالغ مالية ، أو وعدوا بتنفيذ عدد من الوعود الخاصة ، والخاصة جدا للبعض ، في ظل سياسة التنفيع التي تتبعها الحكومات في بعض المراحل ، وحكومة البخيت باشا ليست أقل منها ، وحتى لا يفهم البعض قصدي بأن لي ( أمرا خاصا ) فأرجو الإيضاح بأنه لم ولن يكن لي أي أمر خاص أو مطلب عند أحد ، بل الأمر ان لي " دينّ " عند أحد نواب الشمال الذي اكتشفت انه معتاد على هذه العادة السيئة ، ولا يفي بالسداد ، ومن ضحاياه أحد زملاءه ، الذي تعدى دينه دفعة واحدة الف وخمسمائة دينار ، ليوم واحد ، ونام الدين أشهر طويلة.
ولعل خبر "عمون" قبل أشهر عن عدد من مذكرات الجلب الصادرة عن المدعي العام والموجهة لبعض النواب تكشف عن كثير من الحقائق بالنسبة لعدد من النواب الذين وصلوا الى القبة على مراكب من ورق.
اليوم وقد حُل مجلس النواب .. ماذا عساها تفعل الأيام القادمة ، فالتعديل الحكومي قد يجري خلال 48 ساعة ، وارتفاع الأسعار أخذ منحى خطير ، يهدد المواطن في بداية الموسم الدراسي ، و قبيل شهر رمضان المبارك، وعلى أبواب الشتاء ، الذي استعدت له الحكومة أسوأ استعداد وذلك في التحضير لقنبلة رفع أسعار المحروقات ، رغم التعتيم على أسعار النفط المستورد الحقيقية ، والتي يعلل رفع أسعار مشتقاته بارتفاع سعر النفط عالميا ، بالرغم من ان تعاملات أسواق النفط في الغرب وأسعاره هناك ، تختلف عن أسعار النفط العربية الخفيفة .
مجلس النواب الرابع عشر في رحيله يفتح للحكومة أبواب القرارات والقوانين المؤقتة خلال فترة الربع الأخير من العام ، فعدا عن رفع الأسعار ، فإن هناك ماتخبئه الحكومة التي أطالت عمرها مشاكسات الانتخابات البلدية وهجوم الحركة الإسلامية عليها ومطالبة المعارضة برحيلها ، رغم العديد من العثرات التي كبا جوادها فيها كثيرا .
فبعض الموظفين في بعض المؤسسات التي سيعاد هيكلتها ، لا زالوا يترقبون قرار خلاصهم ، ومنهم موظفو الجمعيات التعاونية ، والمنظمة التعاونية التي قد يجد أبناءها أنفسهم في مهب الريح في لحظة ما ، أذا حلت المنظمة ، ولم تحل مشكلتهم الوظيفية التابعية .
وأخيرا .. وقد ذهب النواب الى بيوتهم ولم يعد في أيديهم لا ربط ولا حلّ ، ورغم قول أحدهم " لو ان النائب يقلي الزيت بيديه للناخبين ما يرضيهم " فأن العديد من المراقبين غير راضين عن إداء مجلس النواب السابق ،وتصلنا دعوات كثيرة تنادي بعدم ترشح الكثير الكثير من النواب ، الذي اعتبروه فاشل بكل المقاييس ، ودلل مراقب على ذلك بالنقد الحاد الذي وجهه جلالة الملك لهم في فترة سابقة .. ولكن وللإنصاف فأن هناك أصوات أخرى قالت ان المجلس المنحل كان ضحية ، وينطبق عليه المثل الشعبي " خبز شعير مأكول مذموم " .