أهلا بكم في عالم ترامب الجديد
فهد الخيطان
07-04-2025 12:14 AM
الكلمات التي ترددت على ألسنة السياسيين الغربيين في الأيام القليلة الماضية، لم نكن نسمع بها منذ قرن من الزمان.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب يصف قراراته برفع الرسوم الجمركية بأنها يوم التحرير والاستقلال لأميركا. قادة أوروبا المصابون بالهلع، يعدون خطوة ترامب عودة لسياسات حمائية سادت في القرن التاسع عشر. وهم بدورهم يحثون الخطى نحو الاستقلال والتحرر من الهيمنة الاقتصادية والدفاعية الأميركية.
علامات حرب تجارية لا تخطئها العين، تلوح في سماء العالم، وتهدد بتقويض قرن من نهج اقتصادي ساد بعد الحرب العالمية الثانية، لا يقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب، بل يطال التحالف الأميركي الأوروبي العابر للأطلسي الذي شكل هوية المعسكر الغربي في مواجهة المعسكر الشرقي المنهار على وقع نجاحات الغرب.
فما حصل ويحصل في أيامنا الأخيرة من بوادر لحرب تجارية، سبقتها علامات قوية على قرب انفكاك الحلف الدفاعي الأميركي الأوروبي، واختيار إدارة ترامب التقارب مع روسيا، لا بل وتبني سرديتها للحرب مع أوكرانيا، ومجمل صراعها مع أوروبا القلقة من نوايا القيادة الروسية ومطامعها بعد أوكرانيا.
لهجة الإدارة الأميركية الحالية تجاه أوروبا غير مسبوقة في عدائيتها، إذا تتجاوز في بعض الحالات العداء الأميركي للصين، المنافس الأشد قوة وشراسة للولايات المتحدة الأميركية.
العالم ومعه أميركا ما يزال مشغولا في التداعيات المباشرة وقصيرة المدى لقرارات ترامب الجمركية، والمتمثلة في انهيار أسواق الأسهم العالمية، وتراجع أسعار النفط، وحالة عدم اليقين التي تلف الاقتصاد العالمي، خاصة بعد رد الصين بالمثل على رفع الرسوم الجمركية على الواردات الأميركية، وترقب العالم للرد الأوروبي المنسق على قرارات إدارة ترامب.
لكن هذه لا تمثل المعني العميق للسياسة الحمائية الجديدة لإدارة ترامب، إنما هي مجرد عوارض ستستقر في وقت قريب، ويبقى متابعة ما تحمله هذه القرارات من تغييرات على آليات التجارة العالمية طويلة المدى، وعلاقة الكتل الاقتصادية الكبرى مع بعضها البعض في المستقبل.
وأبعد من ذلك على الروابط السياسية بين هذه الكتل التي ما أن تفترق مصالحها الاقتصادية حتى تظهر بوادر الفتور في التزاماتها السياسية والأمنية.
بمعنى آخر نحن أمام تحول إستراتيجي في العلاقات الدولية، لن يتوقف بنهاية فترة هذه الإدارة، إنما سيستمر لعقود قادمة. ولهذا التحول تداعياته العميقة على مجمل التوازنات الدولية والمصالح المشتركة، ربما يشبه في تأثيراته ونتائجه ما تبدى من مشهد دولي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي.
الدول العربية لن تكن بمنأى عن هذه التحولات، فعلى المستوى المباشر، شملت قرارات ترامب جميع الدول العربية بالرسوم الجمركية. معظمها بنسبة لا تزيد على 10 % وأربع دول من بينها الأردن بنسبة تتراوح بين 20 و30 %.
يستحق هذه الأمر تحركا عربيا على غرار ما نشهده من دول عديدة في العالم بدأت على الفور مفاوضات مع واشنطن للتخفيف من نسبة الرسوم المفروضة عليها. وفي موازاة ذلك تستحق تطورات اقتصادية بهذا العمق والخطورة، اجتماعا عاجلا على مستوى رؤساء الحكومات في الدول العربية المعنية لمناقشة سبل المحافظة على مصالح دولهم وسط هذه المستجدات غير المسبوقة في الاقتصاد العالمي.
وقد تكون زيارة ترامب المقررة للسعودية ودول في المنطقة الشهر المقبلة فرصة لإعادة ترتيب أوراق العلاقة مع إدارته على المستويات كافة، عسى أن يكون للدول العربية مكان في عالم ترامب الذي بدأ يتشكل ويشكل معه صورة العالم من حولنا.
"الغد"