ليس هناك في اخبار ونشرات الطقس منخفضات جوية قادمة، واخبار طيبة وسارة عن الامطار والشتاء.
ولربما، لا أحد يعترف رسميا بالقحط وموسم الجفاف. وهذا العام لم يأت الشتاء، ولا أمطار ولا منخفضات جوية، وفصل الشتاء بالعادة يدوم من شهر أيلول الى بداية نيسان. و لكنه كان يأتي، ويجلب معه المطر والخير والثلج الابيض الناصع، والبرد اللطيف، والبرد القارس، وفرح السماء، ونعمها اللامتناهية.
كم نشتاق الى الشتاء، ونشتاق الى صوت المطر، وهبوب الرياح، وبرد المربعانية، والثلج، واغلاق الطرق، وعطل الشتاء، مواسم الخير، ومونة الدار والعائلة، ودفء الحطب، والمواقد النارية، ولمة العائلة، فرحة القلوب بدفء الامكنة والاحبة.
لم نر مطرا هذا العام، إنه موسم الجفاف، وإنه موسم القحط. وفي مواسم القحط تتغير كل الاشياء وحتى الحياة تتغير، والناس يتغيرون، وحتى الطبائع والانفس البشرية تتغير. الحزن غامض، والفرح غريب، واذا مرت غيمة عالية ترتفع الوجوه الى السماء، وتمتلئ نظرات الناس بالامل والتحدي. القحط دخل النفوس قبل أن يدخل البيوت. وقبل أن يتحول القحط الى سؤال مائي، وبيئي، والى ما هو أبعد سياسيا واجتماعيا.
إنه يتسرب الى النفوس، وجوه الناس ومخلفات القحط اثارها في القلوب والنفوس والاجساد.
القحط يجرد الانسان من الحب والعاطفة والشوق. وتصوروا أن الانسان لم يعد يقدر أن يحب، وعندما ينتابه احساس بالحب والشوق، ولم يعد يصلح ليكون حبيبا.
فلا ربيع دون شتاء، ولا شتاء دون خريف، ولا صيف دون خريف، انها الطبيعة وانقلاباتها.
فمتى سوف تشرق الزهور في البراري؟ ومتى سوف نرى زهورا، ولو كانت متوحشة، ونرى في الطبييعة الالوان، ونرى دحنونا وزنابق، نسمع أصوات الطيور، وهي تبني اعشاشا في فرح البرية، وسترحل الطيور، واسراب الحمام والحسون سوف يختفي، وكانا أكثر تغريدا في فصل الربيع. وفي فصل الربيع، وقد حل دون شتاء، لن نرى أسراب النحل، وهي تبني خلايا وبيوتا على الاشجار، وهي تجول الازهار وتبعث رسائل ولقاحات ونغمات، والنحل أفلس وعاملات النحل في الخلايا ماتت وبعدما تم تسريحها. ألم يكن الانسان في زمن الذكاء الاصطناعي، وما بعد الحداثة، يسعى، ويقول إنه يسيطر على الطبيعة ويسخرها كما يشاء؟!
لقد حاول الانسان أن يصنع خديعة كبرى على الطبيعة والفطرة، وصنع عسل صناعي، ونحل صناعي، واستمطر السماء، وسلب من الطبيعة حقها في الملكية ودمغ اسمه عليها دون شرعية.
نقول سنوات لا أعوام.. والسنة من القحط والجذب والجفاف، واما العامة، فيقولون : كل عام وانتم بخير.
لا أحد ينتبه، لربما فطناء اللغة والفطريون يعون مفارقات اللغة العربية، وماذا تعني الكلمات ومترادفاتها.
لا شتاء ولا ربيع هذا العام. لا مطر ولا عشب.. فهل سوف يحصد الاردنيون زرعا هذا العام؟
من يملك كيس شعير او قمح او نخالة، فليحتفظ به.
لن يحس الناس بالقحط لمجرد انقطاع الماء عن الخزانات، ولا أن تجف وتفرغ ابار المياه، ومن يتوهمون أن الجمال في الطبيعة أن يغرس حول قصره او «الفيلا « او» المنزل المستقل» اشجارا لا تثمر، تغطي سياراته الفارهة، ويملأ بركة السباحة بمياه معالجة بالكلور.
لربما حان الوقت، ولكي نعود ونسأل لماذا حل على بلادنا القحط؟..
"الدستور"