أحيانا، تصاب بالصدمة للتسطيح الذي يبديه البعض، ولكنك تشعر بالمرارة عندما يمارس أحدهم التدليس بشكل متعمد. فأحد الأميركان الذي زار عمان مؤخرا قال بأن نتنياهو وإن بدا متشددا فهو ليس كذلك، فنتنياهو لا يستطيع إلا أن يتبنى مواقف متزمتة الآن وأن المجال للتراجع عنها يكون على طاولة المفاوضات. ويضيف الضيف الأميركي بأن الشيء الوحيد الذي يمكن لنتنياهو تقديمه هو الموافقة على شكل الحل النهائي وهو دولة فلسطينية. والنتيجة، حسب الضيف، هي أن على عباس العودة لطاولة المفاوضات لأنها الطريقة الوحيدة التي من خلالها يمكن له أن يحقق مراميه بدلا من الذهاب للأمم المتحدة.
عبثا، حاول الضيف أن يقنعنا بأن علينا أن ندرس تاريخ عملية السلام جيدا قبل اصدار حكمنا على نتنياهو بدليل أن بيغن- رئيس الوزراء الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل- هو من صنع السلام مع مصر. صحيح أن بيغن وقع معاهدة السلام لكن السياق العام كان مختلفا كما كان العائد بالنسبة لإسرائيل أيضا مختلفا قياسا بحجم التنازل الذي قدمته إسرائيل. هنا السياق العام مختلف والمسائل المطروحة على بساط البحث شائكة لا يمكن لأي رئيس حكومة إسرائيلي أن يلتقي عباس منتصف الطريق دون أن يفقد السيطرة على الائتلاف الحكومي وربما السقوط.
خرجت من اللقاء بقناعة هي أن الضيف- الذي أظهر براعة في النقاش وأعطى انطباعا بأنه متابع جيد لتفاصيل الأمور- بحاجة ماسة لقراءة المشهد الإسرائيلي ليفهم أن ديناميكية القوة داخل المجتمع السياسي هي العائق أمام التوصل لأي اتفاق، فالمجتمع الإسرائيلي الذي تعرض لعملية إزاحة لليمين لم يعد قادرا على انتاج تحالف للسلام، والأنكى أن قوى سياسية أساسية لا يمكن للحكومة أن تستمر من دون اشراكها باتت ممثلة لمصالح الاحتلال، لهذا من غير المتوقع أن تتحرك العملية لأن مواقف إسرائيل رهينة لتفاعلات سياسية داخلية لم تتغير على مدى العقد الماضي باستثناء أنها أفضت لتطرف يزداد مع الوقت.
لم ينسَ الضيف الأميركي بتذكيرنا بأن الولايات المتحدة معنية باستقرار الاردن دون أن يربط بين سياسات إسرائيل التي تحظى بموافقة أميركية وما يمكن أن يحدث في المنطقة ، وانعكاس ذلك على الأردن .
hbarari@gmail.com
الرأي