الذكاء الاصطناعي: أداة للحماية أم مصدر للخطر؟
د. رائد عوده
05-04-2025 06:31 PM
أصبح الذكاء الاصطناعي عموما والذكاء الاصطناعي التوليدي خصوصا جزءًا أساسيًا من مشهد الأمن السيبراني. وبدأت الكثير من الشركات الاعتماد عليه لتسريع الاستجابة للهجمات وتحسين القدرة على رصد التهديدات. لكنه ليس مجرد أداة واعدة، بل هو أيضًا مصدر قلق متزايد.
وتشير دراسات متعددة إلى أن الغالبية من قادة التكنولوجيا في العالم متحمسون لاستخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين أنظمتهم الدفاعية. بل إن أكثر من ثلثي المؤسسات بدأت فعليًا في تبني أدوات حماية مبنية على الذكاء الاصطناعي.
لكن في المقابل، هناك قلق واسع من أن هذه الأدوات، بدلًا من أن تعزز الحماية، قد تخلق ثغرات جديدة. ويحذر خبراء الأمن السيبراني من أن قدرة الذكاء الاصطناعي على تقليد أساليب البشر بدقة قد تجعل محاولات الاختراق والاحتيال أكثر إقناعًا وأصعب كشفًا. وبات القراصنة يستخدمون الذكاء الاصطناعي لتطوير هجماتهم: من كتابة رسائل احتيالية إلى تحليل البيانات المسروقة، وصولا إلى محاكاة سلوك المستخدمين الفعليين. وهذه ليست فيروسات تقليدية، بل استراتيجيات مخادعة معقدة تُصمم خصيصًا للتهرب من أنظمة الحماية الذكية.
وهذا التصعيد في أساليب الهجوم يضاعف خطورة الاعتماد الكامل على الحلول التقنية دون تدخل بشري واعٍ.
وهنا تبرز مفارقة لا يمكن تجاهلها. فرغم أن العديد من المختصين يتوقعون أن يقلّ الاعتماد على العنصر البشري في بعض المهام المتعلقة بالأمن السيبراني، إلا أن النقص في الكفاءات البشرية المتخصصة آخذ بالاتساع. فوفقًا لتقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF)، يعاني العالم حاليًا من فجوة تقدر بنحو 4 ملايين متخصص في الأمن السيبراني، وقد ترتفع هذه الفجوة بشكل ضخم لتصل إلى 80 مليون بحلول عام 2030 إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
وتكشف هذه الأرقام عن مفارقة حقيقية: في الوقت الذي تتجه فيه المؤسسات للأتمتة والذكاء الاصطناعي، تتضاعف الحاجة إلى الخبرات البشرية المتخصصة. ولذلك، من الضروري أن تعيد المؤسسات التفكير في التوازن بين الذكاء الاصطناعي والعنصر البشري بدلًا من الاعتماد على التكنولوجيا وحدها.
أما من الناحية المالية، فالصورة ليست أوضح. ويتفق كثيرون على أن احتساب التكلفة الحقيقية لدمج الذكاء الاصطناعي في أنظمة الأمن السيبراني أمر شائك، حيث أن المؤسسات لا تتعامل فقط مع تكاليف تراخيص البرمجيات، بل هناك مصاريف أخرى مثل تحديث النماذج، تدريب الموظفين، وتكامل هذه التقنيات مع بنى تحتية قديمة. وتجعل كل هذه التكاليف الخفية القرار بشأن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي أكثر تعقيدًا مما يبدو.
وفي الختام، فإن الذكاء الاصطناعي التوليدي ليس عدوًا مطلقًا ولا بطلاً مطلقًا. بل هو أداة — قوية نعم، لكن مثل أي أداة، تعتمد قيمتها على من يستخدمها وكيف. فالاعتماد الكامل عليه دون إشراف بشري قد يؤدي إلى نتائج عكسية. إن المعركة الرقمية لا تُحسم بالسرعة وحدها، بل بالذكاء — البشري أولًا، ثم الاصطناعي. وهذا التوازن الدقيق هو المفتاح الحقيقي للأمن السيبراني المستقبلي.