استراتيجيات وطنية لتعزيز الأمن المائي والبنية التحتية
د. محمد خالد العزام
04-04-2025 08:50 PM
تُعَدُّ مشكلة شُحِّ المياه في الأردن واحدةً من أبرز التحديات الوجودية التي تواجه المملكة، حيث تتفاقم أزمة الموارد المائية عامًا بعد عامٍ تحت وطأة الظروف المناخية القاسية، وندرة المصادر الطبيعية، والنمو السكاني المُتسارع، بالإضافة إلى تبعات الأزمات الإقليمية التي أدت إلى تدفق اللاجئين، مُحمِّلين النظام المائي الهش ضغوطًا غير مسبوقة.
فالأردن، الذي يُصنَّف كواحدٍ من أفقر دول العالم مائيًّا، يواجه اليوم تحدياتٍ مُعقَّدة تهدد أمنه المائي، وتنعكس على جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وعلى الرغم من الجهود الحكومية والمبادرات الدولية لتحسين إدارة الموارد، إلا أن الفجوة بين العرض والطلب تظل واسعة، مما يستدعي تبني استراتيجياتٍ مبتكرة تجمع بين الحلول التقنية الحديثة، وتعزيز التعاون الإقليمي، وإشراك المجتمع في ثقافة ترشيد الاستهلاك. في هذا المقال، سنستعرض جذور الأزمة المائية في الأردن، ونناقش الحلول التي أسهمت في تخفيف حدتها، من خلال مقاربة شاملة تدمج بين الابتكار العلمي، والسياسات الحكيمة، والإرادة الجماعية لضمان مستقبل مائي مستدام.
وفي ظل التحديات المائية تُركّز الحكومة الأردنية على تحويل الأزمة إلى فرص تنموية عبر سياسات وإجراءات طموحة. ومن أبرز هذه الجهود، تعزيز إدارة الموارد المائية، وتنفيذ مشاريع وطنية مثل الناقل الوطني، إلى جانب السعي لتأمين التمويلات الدولية لبناء بنية تحتية قادرة على مواجهة شحّ المياه وحماية المصادر الجوفية.
إذ يُشكّل مشروع الناقل الوطني أحد الركائز الأساسية في السياسة المائية للأردن، حيث أعادت الحكومة تصميمه عام 2019 بعد سنوات من التعثر في مشروع "ناقل البحرين" السابق، الذي اعتمد على شراكات إقليمية معقدة. وقد قاد معالي وزير المياه والري المهندس محمد النجار آنذاك جهود إحياء الفكرة وتطويرها بصيغة مُعدَّلة تركّز على الأولويات المحلية، مع إزالة التعقيدات المرتبطة بالشراكات الخارجية، والتحوُّل نحو تحلية مياه البحر الأحمر وتوجيهها للاستخدام المنزلي والصناعي. وبفضل توجيهاته الاستراتيجية، تحوّل المشروع من فكرة عالقة إلى خطة عمل ملموسة، حيث يُتوقع أن يوفر عند اكتماله 300 مليون متر مكعب سنوياً من المياه المحلاة، مما سيسهم في سدّ العجز المائي ويحدّ من الاستخراج الجائر للمياه الجوفية، الذي تجاوز حدوده الآمنة بنسبة 160%.
ولضمان تنفيذ المشروع، عمل معالي النجار جاهدا على تأمين التمويلات الدولية عبر مفاوضات مكثفة مع جهات مثل البنك الدولي والاتحاد الأوروبي، إلى جانب الحصول على منح فنية وقروض ميسرة. كما أشرف على وضع جدول زمني واضح لمراحل التنفيذ عندما كان وزيرا للمياه، حيث من المقرر أن تبدأ الأعمال الفعلية بنهاية 2023، على أن يُصبح المشروع جاهزاً للعمل بحلول 2026.
وتم وربط المشروع بأهداف استراتيجية أوسع، مثل خفض الاعتماد على المصادر الجوفية المستنزفة، وتأمين مصدر مائي مستدام على المدى الطويل، مع التركيز على الحلول التقنية والتمويل المستدام بدلاً من الحلول المؤقتة.
إلى جانب ذلك، يدعم المشروع تعزيز البنية التحتية لمياه الشرب والصرف الصحي، خاصة في المناطق النائية، عبر جذب استثمارات وتحديث الشبكات ومحطات المعالجة، مما أدى إلى تحسين كفاءة التوزيع وتقليل الفاقد المائي.
واجهت هذه المشاريع تحديات كبيرة، مثل التعقيدات المالية وضغوط اللجوء المتتالية، إلا أن النجار آنذاك تبنى استراتيجيات مرحلية واقعية، وبناء شراكات دولية، وإشراك المجتمع المحلي، ساهم في تحقيق تقدم ملحوظ في مؤشرات الأمن المائي، رغم محدودية الموارد.
يعكس مشروع الناقل الوطني، وغيره من المبادرات، نهجاً أرساه معالي النجار يعتمد على الابتكار التقني والتمويل المستدام والإدارة المتكاملة للموارد. وهكذا، لم تعد الحلول تركز على الإجراءات قصيرة الأمد، بل تُركّز على استراتيجيات طويلة المدى تحفظ حقوق الأجيال القادمة، وتدعم القطاعات الحيوية مثل الزراعة، مع الحفاظ على التوازن البيئي.
ختاماً، تُظهر الإجراءات المُتخذة في قطاع المياه بالأردن نموذجاً لتحويل التحديات إلى فرص عبر سياسات ممنهجة، حيث مثّلت جهود محمد النجار والمسؤولين الكبار وموظفي المياه في قيادة ملف الناقل الوطني وغيره من المشاريع جزءاً من رؤية شاملة لضمان الاستدامة في أحد أكثر القطاعات حيويةً في البلاد، مع التأكيد على أن حماية كل قطرة ماء هي مسؤولية وطنية تتطلب تضافر الجهود.