عندما تتحول الثقة إلى سلاح
د. ثابت النابلسي
03-04-2025 10:12 AM
الخيانة، بمفهومها العام، لا تحتاج إلى تعريف بقدر ما تحتاج إلى تحليل دقيق لفهم أشكالها ودوافعها، خاصة عندما تقع داخل المنظومات القيادية. فالخيانة لا تبدأ فقط عند ارتكاب الفعل، بل تنشأ منذ لحظة توافر النية لدى الفرد، حيث يبدأ في تبني سلوكيات غير مباشرة تعبر عن رفضه أو معارضته لتوجهات القائد. وهنا، يصبح هذا الشخص شريكًا في زعزعة استقرار القيادة، حتى وإن كانت أفعاله لا تتجاوز النقد أو التحريض، لأن المعارض الحقيقي يسعى إلى تقديم النصح والتوجيه من داخل المنظومة للحفاظ على قوتها واستمراريتها.
سلوكيات الخائن داخل المنظومة القيادية
تتجلى خيانة القائد في عدة سلوكيات قد تبدو في ظاهرها عادية، لكنها في جوهرها تُمثل تهديدًا مباشرًا لاستقرار القيادة وفاعليتها.
1. الترويج لنقاط الضعف ونشر الأخطاء:
يبدأ الخائن بالبحث عن الثغرات في المنظومة، متعمدًا الإشارة إليها في الاجتماعات، أو عبر التسريبات الإعلامية، أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا السلوك يهدف إلى زعزعة الثقة بالقيادة ونشر الشكوك بين الأفراد، مما قد يؤدي إلى انهيار الروح المعنوية داخل الفريق.
2. النفاق الوظيفي والتقرب المبالغ فيه من القائد:
يتقمص الخائن دور المخلص المدافع عن القائد، فيبالغ في إظهار دعمه وتشجيعه، بينما يعمل في الخفاء على تقويض سلطته. يستخدم أسلوبًا ماكرًا يجمع بين التملق والتظاهر بالإخلاص، لإيهام القائد بأنه الحارس الأمين له، في حين أنه في الواقع يجهّز المشهد للإطاحة به عند الفرصة المناسبة.
3. التحريض على المطالبة بالمزيد من الامتيازات:
يسعى الخائن إلى استقطاب الآخرين عبر تعزيز الشعور بعدم الرضا داخل المنظمة، فيوهمهم بأنهم يستحقون مزايا أكبر، ويصور القائد على أنه العقبة الوحيدة التي تحول دون تحقيق ذلك. وبذلك، يخلق بيئة من التذمر والسخط، مما يسهم في تقويض الاستقرار الداخلي.
4. المواجهة العلنية والتضييق على القائد:
يبدأ الخائن بمواجهة القيادة في الاجتماعات العامة، بطرح أسئلة استفزازية تثير غضب الآخرين، مما يدفعهم إلى الاعتراض والمطالبة بتغييرات جذرية. هذا الأسلوب يضع القائد في موقف حرج يجبره على اتخاذ قرارات غير محسوبة، مثل تقديم تنازلات قد تضعف سلطته أو الانسحاب من المشهد، مما يمهد الطريق للخائن ليطرح نفسه كبديل مناسب.
لماذا يخون الأفراد قادتهم؟
تُفسَّر خيانة القائد في ضوء عدة نظريات في علم القيادة والسلوك التنظيمي. من أبرزها:
نظرية الاضطراب التنظيمي (Organizational Disruption Theory):
التي تشير إلى أن الخيانة غالبًا ما تنشأ عندما يشعر الأفراد بعدم الأمان أو الظلم داخل المنظمة، مما يدفعهم إلى البحث عن طرق بديلة لإعادة توزيع القوة داخلها.
ونجد في نظرية الألعاب (Game Theory):
حيث يرى بعض الأفراد أن إسقاط القائد أو تقويض سلطته يمثل استراتيجية رابحة لتعزيز مواقعهم الشخصية، خاصة عندما يدركون أن الاستفادة من الفراغ القيادي قد تمنحهم فرصة أكبر للصعود.
اما نظرية القائد-التابع (Leader-Member Exchange Theory - LMX):
التي توضح أن العلاقة غير المتوازنة بين القائد وأتباعه قد تؤدي إلى نشوء “مناطق ظل” داخل المنظمة، حيث يشعر البعض بأنهم مهمشون، مما يدفعهم إلى اللجوء إلى أساليب الخيانة كوسيلة لاستعادة النفوذ.
كيف يتجنب القائد الخيانة؟
لحماية نفسه ومنظومته من الخيانة، على القائد أن يتبنى نهجًا استباقيًا يقوم على عدة ركائز:
1. الحرص في اختيار فريقه القيادي:
يجب على القائد أن يحيط نفسه بأشخاص أكفاء ذوي خبرة ومصداقية، وأن يبتعد عن المنافقين الوظيفيين وأصحاب المصالح الضيقة.
2. تعزيز الشفافية والمساءلة: عندما تكون القنوات مفتوحة أمام الجميع للتعبير عن آرائهم، تقل احتمالات اللجوء إلى الخيانة كوسيلة للتعبير عن السخط أو التذمر.
3. تمكين القادة الصاعدين: القائد الواثق من نفسه لا يخشى وجود قادة أقوياء حوله، بل يسعى إلى تطويرهم وتمكينهم، لأن قوة الفريق تعزز من قوة القيادة، وتمنع ظهور الطامعين في إسقاطها.
4. العدل والإنصاف:
عندما يكون القائد عادلاً ومنصفًا في توزيع الفرص والمكافآت، فإنه يقلل من احتمالات نشوء بيئة تسمح بازدهار الخيانة.
نصيحة قيادية..
“القائد الحقيقي لا يخشى وجود قادة آخرين حوله، بل يعتبرهم شركاء في النجاح. فكلما زادت قوة من حولك، زادت قوة قيادتك.”
ودمتم..