facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الذكاء الاصطناعي: مستقبل التنبؤ الجوي


د. علي الروضان
28-03-2025 02:10 PM

شهد علم الأرصاد الجوية تطورًا لافتًا في السنوات الأخيرة بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي، التي غيّرت مفهوم التنبؤ بالطقس من مجرد معادلات فيزيائية معقدة إلى نماذج حاسوبية قادرة على معالجة كمّ هائل من البيانات بسرعة فائقة. وقد بدا هذا التطور واضحًا في العديد من دول العالم، ولا سيما تلك التي تعاني عمومًا من موارد مائية محدودة أو أحوال جوية متقلبة، حيث باتت الدقة في التوقعات مسألة مهمة لإدارة الموارد والاستعداد لأي تغيّرات حادّة في الطقس.

تقوم خوارزميات الذكاء الاصطناعي بتجميع البيانات المناخية من الأقمار الصناعية ومحطات الرصد الأرضية وصور الرادار، ثم تحلّلها عبر شبكات عصبية قادرة على اكتشاف الأنماط الخفيّة في الغلاف الجوي. وفي تقارير حديثة صادرة عن شركة DeepMind (2023)، تمكّن نظام ذكاء اصطناعي يدعى “GraphCast” من التفوّق على النماذج التقليدية في توقّع حالة الجو لعدّة أيام قادمة بنسبة دقة فاقت 90%. من جهة أخرى، أظهرت الدراسات المشتركة بين المركز الأوروبي للتنبؤات متوسطة المدى (ECMWF) وعدد من شركات التقنية الأمريكية أنّ دمج الذكاء الاصطناعي بالنماذج العددية التقليدية قلّل من هامش الخطأ في التوقعات المتعلقة بالأمطار ودرجات الحرارة في مختلف أنحاء العالم (ECMWF, 2024).

بالإضافة إلى ذلك، نشهد تزايد الاعتماد على أنظمة الإنذار المبكر القائمة على الذكاء الاصطناعي، التي تحذّر من كوارث الطقس المفاجئة كالفيضانات. ورغم أنّ بعض الدول قد لا تتعرض عادةً لفيضانات موسمية بحجم ما يجري في أماكن أخرى، فإن هذه الأنظمة تساعد أيضًا في رصد موجات الحر أو البرد المفاجئ أو العواصف الرملية. فعلى سبيل المثال، أظهرت منصة عالمية للإنذار بالفيضانات تعتمد على تعلّم الآلة، قدرتها على رصد التغيرات الحادة في الغلاف الجوي، ما ساهم في تحذير المجتمعات المحلية في ثمانين بلدًا حول العالم قبل وقوع الأحداث الخطرة بأيام (Global Flood Alert System, 2023). ويمكن تكييف المفاهيم ذاتها لتلافي تبعات موجات الطقس القاسي على القطاعات الزراعية والاقتصادية في دول تتميّز بمناخ شبه جاف أو بموجات حر متكررة.

ولعلّ أبرز ما يُميّز توظيف الذكاء الاصطناعي في الأرصاد الجوية هو تحسين قدرة الهيئات المعنيّة على إدارة الموارد بشكل أفضل. على سبيل المثال، سلّطت دراسات محلية في مناطق تعاني ندرة المياه الضوء على أهمية التنبؤ المبكر بفترات الانحباس المطري، بغية تخطيط الاستهلاك وترشيد الموارد. في المقابل، تقوم بعض المؤسسات البحثية الأخرى بتطوير نماذج هجينة تمزج التعلم العميق بالنماذج الفيزيائية، لتتبع ظواهر مثل العواصف الرملية والانخفاض الحاد في درجات الحرارة، والذي قد يؤثر في تربية الماشية أو قطاع الزراعة.

على المستوى الدولي، تؤكد تقارير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) أنّ إدماج خوارزميات التعلّم الآلي في مراكز الرصد التقليدية رفع دقة التنبؤات قصيرة المدى وسهّل إصدار التحذيرات المستندة إلى بيانات متجدّدة فورًا (WMO, 2024). وفي السياق ذاته، تعمل شركات تقنية كبرى على مشاريع بحثية مع المركز الأوروبي (ECMWF) لاستثمار حواسيب فائقة السرعة لتشغيل نماذج ذكاء اصطناعي حيوية، مما يخوّلها إصدار توقعات تفصيلية على مستوى كل ساعة تقريبًا (ECMWF, 2024).

رغم هذه الإنجازات، تظل هناك تحديات تتمثل في محدودية البيانات المناخية ببعض المناطق، خصوصًا تلك التي تفتقر إلى عدد كافٍ من محطات الرصد الأرضية. وينصح خبراء المناخ بإنشاء محطات جديدة وتعزيز التعاون الدولي لمشاركة البيانات، من أجل تحقيق أقصى استفادة ممكنة من قدرات الذكاء الاصطناعي. كما يشير متخصصون في معاهد بيئية إلى ضرورة مراعاة الفروق المحلية، حيث لا يمكن الاعتماد على النتائج الحاسوبية وحدها دون دراسة خصوصية التضاريس والمناخ في كل منطقة (European Climate Institute, 2025). لذلك، بات التكامل بين الخبرة البشرية والأدوات الرقمية مطلبًا أساسيًا لضمان دقة وموثوقية التوقعات.

وفي الختام، يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي يمهّد الطريق نحو مستقبل أكثر دقّة في مجال التنبؤات الجوية. وبفعل تسارع وتيرة الأبحاث الرامية إلى تطوير هذه التقنيات وترسيخها على الصعيد العالمي، تتزايد القناعة بأن الاستثمار في التطوير المناخي يمثل خطوة استراتيجية نحو تحسين إدارة الموارد الطبيعية، والحد من الخسائر البشرية والاقتصادية الناجمة عن التقلّبات المناخية. ومن شأن هذه الثورة الرقمية أن تقرّب توقعات الأرصاد الجوية من الواقع بشكل غير مسبوق، مما يدعم صنّاع القرار والمؤسسات المعنيّة حول العالم في بناء خطط مستدامة وفعّالة، تخدم المجتمعات وتحمي الحياة والبيئة.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :