"مدرسة الجراح القانونية" الرائدة والأهم في القانون المدني
د. جهاد الجراح
د. دانييلا القرعان
28-03-2025 01:24 PM
عندما أتحدث عن قامة من القامات العلمية والأكاديمية المرموقة في وطني، والتي لها تأثير كبير في الساحة القانونية، يعجز قلمي الإبحار في الكتابة عنه؛ لأنني لا أمتلك بعض الأوصاف التي تعطيه حقه، ويقف قلمي إجلالاً واحترامًا وشموخًا لمن جعلنا ننتقد النص القانوني، ونقف عند فلسفة كل حرف وكل كلمة، وندرك من أين أتت، ولم ولن نتعلمها يومًا إلا من خلاله. هو قامة تُدرّس في القانون المدني، وبات له مدرسة خاصة به تسمى "مدرسة الجراح القانونية" يتجاوزها من يعي تمامًا صعوبة هذه المدرسة.
نعم هي مدرسة صعبة، ولا يستطيع أحد القفز عنها إلا بمجهوده، ومواصلة الليل بالنهار حتى يستطيع التخرج منها، ومع ذلك محظوظ من يجلس على مقاعد هذه المدرسة مدرسة الجراح الفريدة، ويتلقى العلم المميز منها.
لقد أصبح له نهج وأسلوب خاص أشبه بعمالقة القانون القدامى أمثال السنهوري وغيره، بل أنه تفوق على الكثير منهم، متبعًا أسلوبًا يجعلنا نعود بالزمن القديم الذي لم نعشه يومًا، زمن الكبار والعمالقة الذي أصبح من النوادر الحصول على علمهم الآن. عند الاستماع له ونكون جميعنا بآذان صاغية لعلمه، ونشعر وكأنه آلة موسيقية تصدر نوتات قانونية تدخل الى مسامعنا بعمق، وكأننا نستمع إلى معزوفة لعمالقة الفن الغربي القديم، ولا يستطيع أحد أن يسرح بشيء آخر إلا بعلمه وكلامه ونوتاته القانونية، وكأنه آلة جذب تجذبنا لكلامه وحركاته دون الألتفات لشيء آخر سواه.
سأتحدث اليوم وكل يوم عن قامة حَلمتُ ذات يوم أن أقف أمامها واستمع إليها، كنت اتابعه من بعيد، وأتابع انجازاته التي لا تتوقف، إلى أن جاء اليوم الذي جعلني طالبة من طالباته تجلس وتستمتع بكلامه وعلمه، أما الآن، فأنني أحاول جاهدة أن اتميز أمامه واتفوق، ومع ذلك حتى لو اخفقت، وما زلت في كل مرة أخفق أمامه، لكنني أشعر بالفخر والاعتزاز به وبنفسي؛ لأن مدرسته أصبحت ضمن سيرتي الذاتية، حيث سأدون اسمه ذات يوم أنني تباركت بهذه القامة وبهذا العلم، وأخذت من مدرسته ما يجعلني اتميز عن غيري.
وسأتخرج منها حتى لو تخرجت منهكة تعبة، لكن هذه هي لذة الوصول والنجاح. لم أكن تلك الطالبة التي يفخر بها أمام الجميع، وتلك السفيرة له ولعلمه ولجامعته، لكنني اعتبر نفسي قد تفوقت عندما وصلت إليه وتلمذت وما زلت اتملذ على يديه.
من حقي كقانونية وتلميذة له، أن أكتب عنه متباهيًا به، واشكر الله عز وجل أن جعل لي نصيبًا بالاستماع له، والتلمذ على يديه ومن علمه الفريد. عطوفة الاستاذ الدكتور جهاد الجراح، وهو مداوي وطبيب لكل الجراح القانونية التي تسبب بها البعض وممن لا يمتون للقانون بأي صلة. هو علم من أعلام وفقهاء القانون المدني في الاردن، وله بصمات علمية وبحثية واضحة ومرسومة بإتقان ويشهد لها القاصي والداني، وله آثار خصوصًا نحو تطوير المنظومة التشريعية محليًا واقليميًا، وكذلك على نطاق الدراسات الفقهية و القانونية.
أما على نطاق الدراسات القانونية والدراسات العليا فالكل يرفع له القبعات لمكانته العلمية المرموقة. أشعر بالفخر أنني أردنية ومن جنسيته، وأتباهى به عند أسافر واجلس مع بعض القانونيين العرب واقول لهم بكل فخر أننا في الاردن نمتلك السنهوري الحديث رحمه الله، بل أنه تفوق عليه في الكثير من النقاط القانونية المهمة، فهم مدرستان مدرسة الجراح ومدرسة السنهوري، ويشهد لهما الجميع ببراعة المصطلحات القانونية والفلسفة المتبعة لديهم.
الدكتور الجراح أيقونة العمل الإداري والعلمي في جامعة العلوم الاسلامية العالمية، وهو عميد كلية الشيخ نوح القضاة للشريعة والقانون، وهو أحد أهم ركائز الجسد الاكاديمي في الاردن، وهو عملاق القانون المدني وأستاذه. لم أرغب يومًا هذا الفرع من القانون، لكن عندما تلمذت على يديه أصبح هذا الفرع هو الفرع المحبب لي، والذي أود بعونه تعالى أن أبحر به؛ لعل وعسى أن أصل ذات يوم لشاطئ مدرسة الجراح القانونية وأن أصبح لو جزء بسيط من كيانه وعلمه.. أدامك الله لنا، وأدام علمك الفريد، وأدام اخلاصك وتفانيك وحجم المسؤولية الملقاه على عاتقك، ولتبقى مدرستك هي المدرسة الرائدة في القانون المدني، والتي اتمنى من الجميع التخرج منها.
تلميذتك وطالبتك دانييلا القرعان التي مهما كبرت ستبقى أمامك نقطة ببحر علمك..