خَلَف .. وتدوير المناصب ..
محمود الدباس - ابو الليث
27-03-2025 11:49 PM
دخل خلف الجيش.. لا لشيء.. إلا لأن بلاده تحتاجه.. وقف أمام مدربه منتصب القامة.. ممتلئاً بالحماس.. سأله المدرب.. لو واجهت جندياً من الأعداء.. ماذا تفعل؟!.. ردّ خلف بحزم.. أضربه بيدي.. وأربطه.. وأرسله للمعسكر.. سأله ثانية.. وإذا كانوا ثلاثة؟!.. فأجاب بلا تردد.. أضربهم بيدي وبرجلي.. وأربطهم جميعاً.. وأرسلهم للمعسكر.. طيّيييب يا خلف.. وإن كانوا سبعة؟!.. هنا اعتدل خلف في وقفته وقال.. أسحب السلاح عليهم.. وأثبّتهم.. وأرسلهم للمعسكر!.. ابتسم المدرب ساخراً وسأله مجدداً.. وإذا وجدت عشرين عدواً أمامك؟!.. أخذ خَلَف نفساً عميقاً.. ونظر للمدرب باستغراب.. ثم قال.. شو هالجيش.. ما فيه غير خلف؟!..
قد نضحك من قصة خَلَف.. لكن لو تأملنا قليلاً.. لوجدنا أن خَلَف.. ليس شخصاً واحداً.. بل هو نموذج متكرر.. صورة مكررة بوجوه مختلفة.. ففي كل مؤسسة هناك "خَلَف".. لا يمكن الاستغناء عنه.. فهو الخبير.. وهو المستشار.. وهو صاحب الحلول.. وحين يحين وقت إزاحته.. لا ينتهي دوره.. بل يُعاد إنتاجه بمسمّى جديد.. في منصب جديد.. وكأن البلد خلت من الكفاءات.. وكأن لا أحد يصلح لهذا المنصب.. إلا خَلف.. أو أصدقاؤه.. أو مَن هم على شاكلته..
تراه مديراً عاماً هنا.. ثم وزيراً هناك.. ثم سفيراً في دولة أخرى.. وإن غاب عن المشهد لبرهة.. عاد رئيساً لمجلس إدارة.. ثم فجأة.. تجده في حكومة جديدة.. يحمل حقيبة لا تمت لتخصصه.. أو ماضيه بصلة.. ثم يعود ليطلّ علينا.. كوزير في قطاع آخر.. مختلف تماماً.. وكأننا أمام لعبة كراسي موسيقية.. ولكن بعدد محدود جداً من اللاعبين.. وكأن الأردن بأكمله.. لا يملك من الكفاءات.. إلا هذه الوجوه.. التي لا تتغير.. إلا بالمسمّيات..
في الدول المتقدمة.. يتغير الوزراء بعد الانتخابات.. لأنهم لا يمثلون أنفسهم.. بل يمثلون الدولة وتوجهاتها.. فعلى سبيل المثال.. وزير خارجية أمريكا.. أو بريطانيا.. أو فرنسا.. يتغير مع كل إدارة جديدة.. ولم نسمع أن دبلوماسية تلك الدول تعطلت.. أو تراجعت.. بسبب ذلك.. أما عندنا.. فبعض الوزراء يعبرون الحكومات.. وكأن الدولة بنيت على أكتافهم وحدهم.. بل ويبررون ذلك.. بأنهم أصبحوا معروفين لدى الدول الأخرى.. تماماً كما يقال عن منصب وزير الخارجية.. إنه أصبح معروفاً لدى الدول الشقيقة والصديقة.. وكأن العلاقات الدولية.. تُبنى على شخصه.. لا على سياسات الدولة.. فهل إذا تغيّر.. ستنقطع العلاقات؟!.. أم أننا ببساطة.. نُسوّق لفكرة.. أن لا أحد يستطيع ملء الفراغ بعده؟!..
والسفراء ليسوا ببعيدين عن ذلك.. أليس الأصل.. أن يكونوا من السلك الدبلوماسي؟!.. أليس في الأردن دبلوماسيون محترفون.. ترقّوا في القناصل والسفارات؟!.. فلماذا تُمنح السفارات.. كهدايا لمن شغلوا المناصب هنا وهناك.. أو بالاحرى لـ "خَلَف"؟!..
الأردن مليء بالكفاءات.. لكنه مغلق على ذاته.. يدور في حلقةٍ مفرغةٍ من ذات الأسماء.. وذات الشخصيات.. وكأن عجلة الحياة.. لا تدور إلا بهم.. وإن مات أحدهم -بعد عمرٍ طويل جداً جداً- توقفت البلاد حداداً عليه..
وأقولها بحرقة.. كفى.. لقد آن الأوان.. لأن ندرك أن الوطن.. لا يُبنى بالأسماء المتكررة.. بل بالعقول المتجددة.. فإلى متى سنبقى أسرى لنادي "خلف" الحصري؟!..
وفي الختام.. نتوسم في شخص رئيس الحكومة.. جعفر حسان.. الخير.. ونطلب منه.. أن يضع الأسس والقوانين.. لحل نادي "خَلَف".. وإلغائه من الاذهان.. وإلغاء مفهومه من الحياة السياسة الاردنية.. لعلك يا دولة الرئيس.. تكون مؤسساً فعلياً لمفهوم.. ضخ الدماء الحيوية والوطنية المخلصة.. في شرايين الوطن الغالي..