facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




وادي المدرس بالبترا: عبقرية هندسية نبطية تنتظر الإحياء من جديد


أ.د. محمد الفرجات
27-03-2025 09:52 PM

على حدود محمية البترا مع مدينة وادي موسى من الشرق، وعلى حوض مائي سطحي منحدر بمساحة تزيد عن بضعة كيلومترات مربعة، وحيث سطر الأنباط أعظم إنجازاتهم في إدارة المياه، يقف وادي المدرس شاهدًا على براعتهم الفريدة في هندسة الحصاد المائي.

زرت هذا المعلم وأنا في جامعة آل البيت برفقة البروفيسور زياد السلامين من جامعة الحسين بن طلال صيف عام ٢٠٠٦، وطبقنا عليه قياسات جيوفيزيائية متخصصة لإستكشاف إمتداد بعض السدود ونشرنا عنها بحثا، ومنذ ذلك الوقت بدأ إهتمامي الخاص بهذا المعلم النبطي العبقري، وبالأخص أبان عملي مفوضا للتنمية المحلية والبيئة في مفوضية البترا، ولاحقا مع طلابي بزيارات ميدانية في جامعة الحسين بن طلال حيث أعمل حاليا.

كما وقد قدمت المنطقة لزملائي البروفيسور نزار أبو جابر من الجامعة الألمانية الأردنية و الدكتور عبدالله الروابدة من جامعة اليرموك، واللذان نشرا بحثا رائعا مع آخرين عن هذا النظام المائي النبطي العبقري.

إنه نظام متكامل يتألف من نحو 15 سدًا حجريًا صغيرًا، بُنيت على طول الوادي المنحدر بطول 2 كيلومتر، بفواصل تبلغ نحو 200 متر بين كل سد وآخر.

يصرف وادي المدرس فيضان حوض مائي سطحي واسع يفرغ مياهه طبيعيا بالسيق، الممر التاريخي للبترا.

لم يكن هذا المشروع مجرد بنية تحتية لحجز المياه، بل كان نظامًا ذكيًا يوفر الحماية من الفيضانات، ويضمن استدامة الموارد المائية لدعم الزراعة والأمن الغذائي في المنطقة.

إبداع هندسي نبطي في وادي المدرس:

اعتمد الأنباط في بناء سدود وادي المدرس على تقنيات هندسية متطورة بالنسبة لعصرهم، حيث شيدوا الجدران الحجرية بطول 15 مترًا، وسمك 1 متر، وارتفاع 3 أمتار، مستخدمين الحجارة المحلية وأدوات بدائية مثل الأزاميل والمطارق، بينما قامت الحمير بنقل الحجارة إلى مواقع البناء. وبجانب كل سد، انتشرت مصاطب زراعية بمساحة 500 متر مربع، زرعت بمحاصيل موسمية مثل البندورة، والخيار، والبصل، والقثائيات، لتشكل مصدرًا غذائيًا مستدامًا لسكان المنطقة.

آلية عمل نظام وادي المدرس المائي:

كان الهدف الأساسي من بناء السدود هو حجز مياه الأمطار الموسمية المتدفقة عبر الوادي، ومن ثم توجيهها ببطء نحو المصاطب الزراعية المجاورة، مما يسمح بالري التدريجي للمحاصيل بدلاً من ترك المياه تجرف التربة وتسبب الفيضانات. هذا النهج عزز استغلال المياه بكفاءة، وأتاح للأنباط زراعة محاصيلهم في بيئة صحراوية قاسية، مما ساهم في ضمان الأمن الغذائي لسكان المملكة النبطية.

الوضع الحالي لوادي المدرس:

مع مرور الزمن، تضررت سدود وادي المدرس بفعل العوامل الطبيعية، وأصبحت بحاجة إلى ترميم وصيانة عاجلة لإعادة تشغيلها. اليوم، يشكل هذا النظام خطرًا على السياح وعلى المدينة الأثرية، حيث أن عدم إستكمال صيانة السدود يعني استمرار خطر الفيضانات على السيق، وهو المدخل الرئيسي للبترا، مما يعرض الزوار والبنية التحتية للخطر.

جهود جمعية المحافظة على البترا في ترميم وادي المدرس:

في إطار جهودها لحماية التراث الوطني وصيانة المواقع الأثرية في البترا، قامت جمعية المحافظة على البترا (PNT) بقيادة سمو الأميرة دانا فراس بترميم وصيانة عدد من هذه السدود ضمن مشاريعها لحماية المدينة الأثرية من أخطار الفيضانات والانهيارات الصخرية. تسهم هذه الجهود في تعزيز استدامة النظام المائي النبطي، وإعادة الحياة إلى واحد من أعظم مشاريع الحصاد المائي في تاريخ المنطقة.

مشروع مفوضية البترا عام 2020 بالتعاون مع الوكالات الدولية:

في عام 2020، نفذت مفوضية البترا مشروعًا لصيانة وترميم عدد من سدود وادي المدرس بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) والوكالة الدنماركية للإغاثة (DRC). لم تقتصر الجهود على الترميم فقط، بل تضمنت أيضًا إجراء دراسة هيدرولوجية متكاملة لتحليل تدفق المياه وسلوكياتها في الوادي، بهدف تحسين إدارة الموارد المائية وتعزيز حماية المدينة الوردية من المخاطر البيئية، وقد تابع المشروع الدكتور المهندس حسين الحسنات، المختص بإدارة خطر الفيضان والتغير المناخي.

إحياء وادي المدرس: رؤية مفوضية البترا:

مفوضية البترا تدرك الأهمية التاريخية والوظيفية لهذا النظام، ولذلك تخطط لإعادة ترميمه وصيانته ليصبح:

1. مقصدًا سياحيًا يعكس عبقرية الأنباط في إدارة الموارد المائية، مما يعزز تجربة الزوار ويطيل فترة مكوثهم في المنطقة.

2. نظامًا هندسيًا مائيًا فعالًا من جديد، يمكن استخدامه كنموذج تطبيقي لأنظمة الحصاد المائي الحديثة.

3. حماية للسيق والسياح من مخاطر الفيضانات، مما يحافظ على سلامة الموقع الأثري وزواره.

4. دعمًا لخطط الحصاد المائي في وادي موسى، مما يساهم في تعزيز الأمن المائي في المنطقة.

5. زيادة التنوع الحيوي من خلال وفرة المياه، مما يعزز البيئة المحلية ويساهم في التوازن البيئي.

6. مساهمة في الاقتصاد الأخضر والتكيف مع التغير المناخي، من خلال إعادة تفعيل نظام مستدام للحصاد المائي.

7. الحفاظ على ثباتية واستقرار التربة والكتل الصخرية في منطقة تحيط بالسيق، تعد ذات صفات انزلاقية وهشة وميول طبوغرافية عالية.

ويقوم على الدراسة من المفوضية بتوجيه من مجلس المفوضين فريقا عرفت منهم الدكتورة المهندسة دانية العيساوي؛ مختصة بالتغير المناخي ونظم المعلومات الآثارية gis، والمختص بالتراث والآثار والترميم السيد طاهر الفلاحات.

الخاتمة: إرثٌ يجب أن يعود للحياة

إن وادي المدرس ليس مجرد بقايا أثرية، بل هو إرث هندسي فريد يعكس براعة الأنباط في التكيف مع بيئتهم. إعادة ترميمه وتشغيله ليست فقط ضرورة للحفاظ على تاريخنا، بل أيضًا فرصة اقتصادية وسياحية وبيئية تعزز استدامة الموارد وتحمي المدينة الوردية من مخاطر الفيضانات. إنه نموذج يجب أن يُحتذى به في تطوير أنظمة حصاد مائي حديثة، تتكيف مع تحديات العصر وتلهم الأجيال القادمة.

فهل سنشهد قريبًا عودة الحياة إلى وادي المدرس؟.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :