facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الرقمنة ليست كافية .. المطلوب ثورة في التفكير الحكومي


صالح سليم الحموري
27-03-2025 11:01 AM

في عالم يتغير بإيقاع متسارع، تجد الحكومات نفسها أمام سؤال لم يعد قابلاً للتأجيل: كيف يمكن تحقيق أعلى إنتاجية ممكنة في ظل التحول الرقمي المتسارع؟ لم تعد المسألة ترفًا إداريًا، ولا خيارًا إضافيًا، بل أصبحت ضرورة حيوية لضمان استدامة الخدمات الحكومية ورفع كفاءتها، خصوصًا في ظل تصاعد تطلعات المواطنين، وتحوّل الاقتصاد العالمي نحو نماذج رقمية مرنة وذكية.

لسنوات طويلة، ظل النموذج التقليدي للإدارة الحكومية قائمًا على البيروقراطية، والورق، والتسلسل الهرمي الجامد في اتخاذ القرار. لكن هذا النموذج لم يعد يصلح لزمن الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة. فمن استطاع أن يعيد تعريف قواعد العمل الحكومي، كما فعلت سنغافورة والإمارات، نجح في القفز بالإنتاجية إلى مستويات غير مسبوقة. أما من بقي متمسكًا بالنموذج الكلاسيكي، فقد علِق في متاهة الإجراءات والتعقيد.

البيروقراطية هنا ليست مجرد إشكالية إدارية، بل تُشكل عائقًا حقيقيًا أمام كفاءة الأداء الحكومي. وفي كثير من الدول، لا يزال المواطن يُطلب منه تقديم وثائق تحتفظ بها الجهات الحكومية نفسها في قواعد بياناتها! هذا النمط من التفكير يعيق التقدّم، بينما في دول مثل الدنمارك وإستونيا، باتت معظم الخدمات الحكومية تُنجز رقميًا، بكفاءة وسرعة، ودون الحاجة إلى أي حضور شخصي.

لكن التحول الرقمي لا يعني فقط نقل الإجراءات الورقية إلى الإنترنت. التغيير الحقيقي أعمق من ذلك بكثير. إنه يتطلب إعادة صياغة "ثقافة العمل الحكومي" من الأساس، بحيث يصبح "الإنجاز والنتيجة" هما المعيار الحقيقي للأداء، وليس عدد التواقيع أو طول الإجراءات.

تقرير "حالة الإدارة الحكومية العربية 2025" الصادر من القمة العالمية للحكومات، سلّط الضوء على هذه الفجوة، مبينًا وجود تفاوت كبير في تبني التحول الرقمي داخل العالم العربي. ففي الوقت الذي تمضي فيه دول الخليج، وعلى رأسها الإمارات والسعودية، بخطى ثابتة في تنفيذ مشاريع رقمية رائدة، لا تزال دول أخرى تواجه تحديات كبيرة تتعلق بالبنية التحتية الرقمية، وبضعف المهارات التقنية لدى الكوادر الحكومية.

كما أشار التقرير إلى أن نحو 48% من المسؤولين الحكوميين يرون في التكنولوجيا الحديثة وسيلة فعالة لتحسين الإنتاجية وتسريع الإجراءات، لكنهم في الوقت نفسه يعتبرون البيروقراطية ونقص الكفاءات الرقمية من أبرز التحديات التي تعرقل هذا المسار.

ولعل التقدّم في هذا المجال لا يتطلب فقط التمويل أو التحديث التقني، بل يحتاج إلى "رؤية شاملة" تقود إلى تحوّل جذري في آلية عمل الحكومات، حيث أن التحول الرقمي الناجح يقوم على ثلاث مرتكزات رئيسية:

أولًا، التحول إلى عقلية "البيانات أولًا". فلا يمكن لأي مؤسسة حكومية أن تتقدم في أدائها دون الاعتماد على البيانات في اتخاذ قراراتها. الحكومات الناجحة اليوم هي تلك التي تعرف مجتمعاتها من الداخل، وتستجيب لاحتياجاتها بناءً على تحليلات دقيقة، لا على الحدس أو التخمين.

ثانيًا، تصفير البيروقراطية، أي السعي لاختصار الإجراءات الحكومية أو إلغائها بالكامل من خلال حلول تقنية ذكية، تعتمد على الذكاء الاصطناعي والخدمات الاستباقية. الهدف لم يعد مجرد تقليل الخطوات، بل إلغاء الحاجة إليها من الأساس حيثما أمكن.

وثالثًا، تمكين الموظفين لا استبدالهم، التحول الرقمي لا يعني الاستغناء عن الكوادر البشرية، بل إعادة تعريف أدوارهم، وتمكينهم من استخدام أدوات ذكية ترفع من إنتاجيتهم. فالموظف الذي يمتلك المهارات الرقمية يتحول من منفّذ روتيني إلى شريك في الابتكار وصناعة الأثر.

اليوم، هناك إجماع عالمي على أن النجاح في المستقبل لن يكون للأكبر أو للأقوى، بل "للأسرع والأكثر قدرة على التكيّف.” فالدول التي تؤخر خطواتها في الرقمنة، ستجد نفسها مضطرة غدًا لمضاعفة الجهد لتقليص الفجوة، وربما تتأخر عن ركب التنافسية العالمية.

أما الدول التي تبني اليوم منظومات حكومية رقمية رشيقة ومرنة وفعّالة، فإنها لا تضمن فقط رضا المواطنين، بل تبني اقتصادًا أكثر ذكاءً، وإدارةً أكثر استدامة، ومستقبلًا أكثر إشراقًا.

فالحكومات اليوم لم تعد مجرد أدوات تنفيذ، بل أصبحت رافعة أساسية لازدهار المجتمعات، والتحول الرقمي لم يعد خيارًا تقنيًا يُترك لفرق التكنولوجيا، بل هو الأساس الذي ستُبنى عليه "كفاءة وإنتاجية القطاع العام" لعقود قادمة.

وفي نهاية المطاف، النجاح لا يُقاس بعدد الخطط أو المؤتمرات، بل بأثر "السياسات على حياة المواطن اليومية".

إنها لحظة حاسمة أمام الحكومات العربية، إما أن تقود التحول الرقمي، أو تكتفي بالمشاهدة من بعيد، وتُصبح خارج السباق.

والسؤال الذي لا بد من طرحه اليوم هو: هل نحن مستعدون؟





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :