بالرقمنة والحوافز: انتقال اقتصاد الظل إلى النور
رامي خريسات
27-03-2025 10:50 AM
يشكّل اقتصاد الظل نسبة كبيرة من النشاط الاقتصادي في الدول النامية، حيث تعمل آلاف المشاريع خارج الإطار الرسمي دون تسجيل أو التزام ضريبي. ورغم مساهمته في توفير فرص عمل، إلا أنه يُشكّل تحديًا للحكومة في تحصيل الضرائب، وحماية حقوق العمال، وضمان الاستقرار الاقتصادي.
في الأردن، تختلف تقديرات حجم هذا القطاع حسب منهجية القياس. فبحسب دراسة للبنك المركزي (2002–2020) فقد بلغ 23.8 % من الناتج المحلي وذلك باستخدام منهجية (CDA) وهي- الأشهر- والمفترضة أن الزيادة في الطلب على النقد تعكس اقتصاد الظل. بينما قدّر منتدى الإستراتيجيات الأردني النسبة بـ 15 %، وتراوحت تقديرات أخرى بين 26 % و30 %.
رغم تباين التقديرات، ثمة إجماع على ضخامته. ويمكن بالتعجيل الرقمي تحديد حجمه بدقة وإدراجه تدريجياً في الاقتصاد المنظم، مما يُحقق إيراداتٍ إضافيةً للخزينة مع حماية حقوق العاملين في هذا القطاع.
البداية تكون بمواجهة التحدياتٍ التي تبدأ بصعوبة الوصول إلى التمويل بسبب اشتراطات البنوك الصارمة، وتمتد إلى إجراءات التسجيل ومتطلبات الانضمام للضمان الاجتماعي التي تثني أصحاب المشاريع عن الإقدام. وتتفاقم هذه المعوقات بالأعباء الضريبية والرسوم الحكومية التي تلتهم هوامش الربح الهشة أساساً، فضلاً عن نقص الوعي بمتطلبات الانتقال وآلياته وضعف الثقافة المالية. ولا يُستهان بتحدي ضعف القدرة على اختراق الأسواق الجديدة، مما يُضعف الحافز للتسجيل الرسمي من الأساس.
يمتلك الأردن فرصة ذهبية للاستفادة من النماذج الدولية الرائدة في إدماج الاقتصاد غير الرسمي. ففي الهند، نجحت مبادرة “أدهار” الرقمية في ربط الهويات الوطنية بالحسابات المصرفية مما سهل وجذب الملايين. ولا ننسى النموذج الكيني الملهم عبر تقنية “M-Pesa” للدفع عبر الهاتف المحمول، وكان القدوة في تمكين البسطاء من الوصول إلى الخدمات المالية الرقمية. أما البرازيل، فقد اتبعت نهجاً شاملاً يجمع بين الحوافز والتسهيلات الرقمية، حيث قدّمت إعفاءات ضريبية مؤقتة وخدمات إلكترونية مجانية للمشاريع الصغيرة عند تسجيلها رسمياً.
الحلول أردنياً أولها: توظيف الأدوات التكنولوجية القائمة وتكييفها لخدمة إدماج اقتصاد الظل، كالمحافظ الإلكترونية والدفع الرقمي والتي لا تتطلب حسابًا بنكيًا مما يفضي الى تقليل الاعتماد على النقد ويرفع مستوى الشفافية. كما تساعد تقنيات الوصول إلى الإنترنت بأسعار معقولة خاصة في المناطق النائية، بجانب المنصات الرقمية مثل فيسبوك وإنستغرام الداعمة لتتبع الأنشطة غير الرسمية وفتح أسواق جديدة. أما الذكاء الاصطناعي فيحلل أنماط السلوك ويقدم حلولاً مالية مبتكرة، تشجع الانتقال للاقتصاد الرسمي عبر التسويق الرقمي.
ثانيها: حزمة توعوية مكثفة، تعزز الثقة في المؤسسات الرسمية، ترافقها خدمات مجانية ومنصّات حكومية مبسّطة لتسجيل المشاريع، ودعم فني للمنتقلين إلى القطاع الرسمي.
ثالثها: حزمة من السياسات الذكية مثل إقرار إعفاءات ضريبية مرحلية، أو تخفيضات جاذبة في رسوم التسجيل، كجسر ثقة أولي نحو الاندماج التدريجي في الاقتصاد المنظم، ولا ننسى إطلاق أدوات تمويل مرنة كالقروض الرقمية والتمويل المتناهي الصغر.
النجاح في كل ما سبق ليس صعباً في ظل منسوب الثقة العالي الذي تتمتع به الحكومة الحالية، لكن الرقمنة ليست وحدها الحل السحري، وربما تكون الخطوة الأولى إنجاز دائرة الإحصاءات العامة لمشروع قياس حجم الاقتصاد غير الرسمي - ليكون الأساس سليماً عند تصميم الحلول.
الأجدى بالسياسات القادمة أن تُنشئ بيئة جاذبة مفعمة بالحوافز، لا مثقلة بالقيود. فتخف أعباء الأسر الهشة وتُنار دروب رزقها.
الغد