النّصّ المسرحيّ العربيّ المعاصرُ .. دراساتٌ وإضاءاتٌ نقديّة
27-03-2025 10:48 AM
عمون - تجترحُ د. صبحة أحمد علقم رؤى وتحليلات واعية ومتقدّمة، في ارتيادها لعوالمِ النّصّ المسرحيّ العربيّ المعاصر، دارسةً مجموعة ًمن النّصوص دراسةً عميقةً، ضمنَ معطياتها الفلسفيّة والفنيّة وقِيَمها الفكريّة والاجتماعيّة، عبر كتابِها الجديد "النّصّ المسرحيّ العربيّ المعاصرُ.. إضاءاتٌ نقديّة".
الكتابُ نفسُه، وقد صدرَ حديثًا عن "الآن ناشرون وموزعون" بالأردن (2025)، في 252 صفحة، تضمّنَ مقدمة بقلمِ أ. د. يحيى سليم البشتاوي، الذي قدّم إضاءاتٍ كاشفةً حول دراساتِ الكتابِ، رائيًا في مقدمته الوافية أنّ د. صبحة علقم تؤكّد "من خلال كتابها هذا ومنجزاتها البحثيّة، قناعتها بدور المسرح التنويريّ والطليعيّ في قيادة المجتمعات نحو الارتقاء بالقِيَم وصولاً إلى المجتمع الحضاريّ، إذ تسلّط دائماً الضّوء على قضايا تهمّ الفنّانَ المسرحيّ والمثقّف العربيّ من منظورها النقديّ والجماليّ الذي يقوم على ترسيخ الرؤى والأهداف التنويريّة المفعّلة للفضاءات التحليليّة والنقديّة، التي تتعدّد فيها الآراء بغيةَ تفعيل الوظيفة النقديّة في مجال النصّ المسرحيّ العربيّ".
أولى دراسات الكتاب جاءت بعنوان "النص المسرحي القصير في الأدب العربي المعاصر (نماذج منتخبة)"، وفيها قدّمت إطاراً نظريّاً حول النص المسرحي القصير: تعريفه، وخصائصه، وجذوره. ومن الدخول إلى عوالم النص المسرحي القصير في الأدبين الغربي والعربي توصّلت إلى أن "خصوصية النص المسرحي القصير تنبع من قصره زمانيّاً، فهو يُكتَب في صفحات قليلة، ويستغرق عرضه على المسرح وقتاً قصيراً يتراوح بين (10-30) دقيقة، ولكنه يحدث أثراً كبيراً في نفس المتلقي، ويمكن القول إن النص المسرحي القصير في الأدب العربي يؤكد إدانته للواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي من خلال حوارات داخلية وخارجية مكثفة، تكشف عن لغة دقيقة في معالجة واقع الشخصيات المسرحية المأزوم".
وتصوغ المؤلّفة، في دراستها الثانية: «النص المسرحي وجمالية التلقي» إطاراً نظريّاً عن نظرية التلقي، وما تضمّنته من جهود تنظيرية وتطبيقية لروادها الأوائل ومنظريها المعاصرين، مثل: فولفغانغ آيزر، وهانس روبرت ياوس، وأمبرتو إيكو، وباتريس بافيس. ومقدّمة تاليًا قراءة في مسرحية "إيزيس" لنـوال السعداوي، ومسرحية "المحب والمحبوب/ مدونة عشق ديك الجن" لآمنة الربيع.
وتتأمّل د. علقم، عبر دراستها التالية «القدس في المسرح العربي المعاصر»، مكانة القدس وماضيها وحاضرها، وطبيعة العلاقات المركبة الموجودة بين النماذج الاجتماعية المستلهمة من المدينة وبين الشخصيات المتخيلة التي تنتمي إلى عوالم النص المسرحي، كما في مسرحيات: «الشهادة على بوابات الأقصى» للكاتب العراقي قاسم محمد، و«الطريق إلى بيت المقدس» للكاتب الأردني إبراهيم السعّافين، و«بلا عنوان» للكاتب الأردني مفلح العدوان.
وتوصلت د. علقم، عبر الدراسةِ نفسها، إلى أن النصوص المسرحية العربية التي تناولت قضية القدس، قد هدفت إلى إيقاظ ضمير الأمة العربية، والإعلاء من شأن قضية الشهادة والمقاومة من أجل الوطن، وفي الوقت نفسه شكّلت إدانة للصمت العربي تجاه ما يحدث في فلسطين، وفي القدس تحديداً. كما أن النص المسرحي العربي لم يتقيّد بالأحداث المستوحاة من مرويات تاريخية، أو يلتزم بها التزاماً حرفيّاً، لذلك جاءت أقرب ما تكون إلى «التخيّل التاريخي» منها إلى «المسرحية التاريخية»، منقطعة عن وظيفتها التوثيقية والوصفية لتؤدي وظيفة جمالية ورمزية، ما ساعد على رسم دراما حیّة للفترة الحرجة التي تدور في إطارها.
وتوزّع النص المسرحي الأردني على مساحة واسعة من الدراسات النقدية والتحليلية في هذا الكتاب، فجاءت دراسة «الفضاء الدرامي في النص المسرحي الأردني» ضمن مقدمة نظرية مكثفة تناولت فيها المؤلّفة مفهوم الفضاء في الفكر الفلسفي القديم والتنظيرات المعاصرة، وقامت بتحليل ستة نماذج من النصوص المسرحية الأردنية، وقسمتها إلى نمطين على أساس عدد الفضاءات التي يحتويها كل نص: الأول يقدم الحدث في فضاء واحد ولا يتعداه إلى آخر، واشتمل على ثلاث مسرحيات هي: «عشيات حلم» لمفلح العدوان، و«قلادة الدم» لهزاع البراري، و«خمس دمى وامرأة» لغنام غنام. والثاني يتميز بتعدّد فضاءاته تبعاً لاختلاف مواقع أحداثه، واشتمل أيضاً على ثلاث مسرحيات هي: «حديقة الموتى» لإبراهيم جابر إبراهيم، و«حلم أخير» لهزاع البراري، و«كأنك يا أبو زيد» لغنام غنام.
وفي دراسة بعنوان «مظاهر السرد في مسرحيات غنام غنام» تتناول د. علقم مظاهر السرد في خمسة نصوص مسرحية للكاتب المسرحي الأردني غنام غنام هي: «سأموت في المنفى»، و«صفير في الرأس»، و«الأبواب: الحبيب المجهول»، و«الجنرال إذ يعود فجأةً»، و«طلقة واحدة تكفي». وقد تطرقت في البداية إلى دلالة السرد، لغةً واصطلاحاً، وحضور السرد في المسرح القديم، الذي عرفته الحضارات الشرقية، كالهندية والصينية، والغربية، كاليونانية والرومانية، إذ شكّل مهد التجارب المسرحية فيها، ثم في عصر النهضة، والمسرح الغربي المعاصر، ومسرح ما بعد الدراما، وفي المسرح العربي الذي استلهم تقاليد الحكي العربية القديمة من خلال تجارب عدد من المسرحيين العرب.
وفي دراستها «التناص في مسرحيات مفلح العدوان» ذهبت د. علقم إلى تحليل العلاقة التناصية بين ثلاثة نصوص مسرحية للكاتب المسرحي الأردني مفلح العدوان، وهي: «عشيات حلم»، و«ظلال القرى»، و«آدم وحيداً»، ومرجعياتها المتمثلة بسيرة الشاعر الأردني عرار وأشعاره، وسيرة الملك المؤابي «ميشع» وأعماله وحروبه مع أعدائه، في القرن التاسع قبل الميلاد، التي وردت في مسلته، وفي تاريخ الأنباط، والتراث الشعبي، وقصة النبي آدم (عليه السلام) الواردة في القرآن الكريم، وسير الأنبياء، والتوراة، وقصة النبي عيسى (عليه السلام)، حسب رواية الإنجيل، وغير ذلك.
وكان للمونودراما في المسرح الأردني نصيبها أيضاً من الدراسة، وذلك من خلال تقديم د. علقم لقراءة نقدية تطبيقية في مسرحيتين أردنيتين من نوع المونودراما، هما: «ليلة دفن الممثلة جيم»، للكاتب المسرحي جمال أبو حمدان، و«البحث عن عزيزة سليمان» للشاعر والكاتب المسرحي عاطف الفراية، عبر تحليلهما فنيّاً ودلاليّاً.
يذكر أنّ د. صبحة علقم أستاذ الأدب والنقد الحديث في كلية الآداب في قسم اللغة العربية في جامعة الزيتونة الأردنية.. لها خبرة طويلة في التدريس والبحث العلمي، تتركز اهتماماتها البحثية على النقد الأدبي، لاسيما النقد المسرحي والروائي ودراسات المرأة، لها مشاركات عديدة في ملتقيات ومؤتمرات محلية ودولية، وكتابان مطبوعان في الدرس النقدي: تداخل الأجناس الأدبية في الرواية العربية " الرواية الدرامية أنموذجا". -المسرح السياسي عند سعدالله ونوس، ، وعمل إبداعي قصصي بعنوان "مجرد صديقة" (الآن ناشرون وموزعون 2021).