غزة ليست مدينةً عابرة، ولا اسمًا على خارطةٍ نُسي في زوايا الأخبار، بل هي جرحٌ مفتوح ينزف كرامة، وقلبٌ نابض بالصبر لا يشيخ ولا يلين.
في شوارعها تسير الأمهات بأقدامٍ منهكة، تحضن قلوبهنّ صغارًا لم يعرفوا من الحياة سوى الدخان والرعب، لكنهنّ ما زلن يُربّين الأمل كما لو أن السماء تمطر سلامًا.. وعلى أنقاض منازلها، يلعب الأطفال كأن الحياة لم تهددهم بالموت ألف مرة، وكأنهم يقولون للعالم: "نحن نكبر رغم كل شيء".
غزة ليست مجرد حصارٍ يُضرب، أو قصفٍ يهزّ أركانها، هي وطنٌ داخل وطن، هي صوتٌ لا يُخرس، ودمٌ لا يجفّ.. كل بيتٍ فيها حكاية، كل حجرٍ فيها شاهد، وكل شهيدٍ يترك خلفه وعدًا بأن الحياة ستستمر، ولو بعد حين.
هناك، لا تُطفأ الأنوار بانقطاع الكهرباء، بل تُضاء القلوب بعزيمةٍ لا تنكسر.. لا تُكسر الأجنحة بالحروب، بل تُولد أرواحٌ تحلق فوق الركام، تُعيد بناء ما تهدم، وتزرع الحلم في أرضٍ حاولوا أن يقتلعوا منها كل حياة.
غزة، حيث الألم مقيم، لكن الاستسلام غريب.. حيث الموت قريب، لكن الإرادة أقرب.. حيث العالم يصمّ آذانه، لكن صوتها لا يخفت.
غزة ليست بحاجةٍ إلى شفقة، بل إلى عدل.. ليست بحاجةٍ إلى دموع العالم، بل إلى صحوته.. لأن غزة لا تموت، ولو ظنوا أنها ستموت، فهي تُبعث كل يومٍ من رمادها، أقوى مما كانت.