لم يعد أهل غزة يحتملون مزيدا من الموت الدمار. دفعوا ثمنا باهظا، أكبر بكثير مما كانت تتوقع حماس والعالم أيضا. إسرائيل تعرف ما يوجع الناس بعد أشهر الحرب الطويلة.
دفعهم للنزوح من شمال القطاع إلى جنوبه، بمثابة كارثة إنسانية لن يقبلها الفلسطينيون مرة ثانية. القلق الشديد من هذا الخيار والقتل الوحشي للأطفال والنساء يوميا، فجر غضبا دفينا من طريقة إدارة حماس لملف الهدنة ووقف إطلاق النار. ولهذا شهدنا لأول مرة حركة احتجاجية غير مسبوقة ضد حركة حماس في مناطق عديدة من القطاع في اليومين الماضيين.
حماس تحت ضغط شديد. ليس فقط من الشارع الفلسطيني في غزة، بل مما تتلقاها من خسائر فادحة في صفوفها. إسرائيل وفي غضون أيام قليلة تمكنت من تصفية صف عريض من القيادات السياسية والإدارية، بهدف شل قدرة الحركة على حكم غزة.
تدرك حماس أن حكمها للقطاع صار من الماضي، وأعلنت ذلك، لكنها لم تكمل الجملة السياسية المطلوبة.
حكومة نتنياهو تواجه مسارا صعبا هي الأخرى. في الداخل تعيش أزمة بعد قرارها إقالة مدير الشاباك. المعارضة تضغط بقوة في الشارع. نتنياهو صار يدير غرفتين للعمليات؛ غرفة الحرب، وغرفة الاحتجاجات الداخلية الصاخبة في الشارع، وفي الطريق بينهما قاعة المحكمة التي لا تعذره ولا ترحمه من جلساتها المتواصلة.
الأفضل لنتنياهو كما حركة حماس أن يجد مخرجا سياسيا ينهي الحرب بشروط معقولة تضمن الإفراج عن المحتجزين وتخلي حماس عن السلطة في القطاع.
أمام حركة حماس مخرج نهائي من الورطة؛ تفويض الخماسية العربية التي تضم السعودية ومصر والأردن والإمارات وقطر للتفاوض مع الولايات المتحدة وإسرائيل لوضع نهاية سريعة للكارثة قبل أن تتجدد وتتوسع فصولا دامية. تفويض تتعهد فيه حماس بالتنحي تماما عن الحكم في غزة وإنجاز صفقة تبادل أسرى كاملة دون مراحل، إلى جانب خطة لتسليم السلاح في غزة لهيئة الحكم الجديدة في القطاع.
حكومة نتنياهو لن تتحمل داخليا، حربا برية ثانية في غزة، لن تحقق ما فشلت في تحقيقه في حربها الأولى. الصفقة أفضل خيار، ولتفوض إدارة ترامب عقدها مع الخماسية، تقضي بالانسحاب الكامل من القطاع مقابل ما اتفقت عليه الخماسية مع حركة حماس.
صفقة لن تعود إسرائيل بعدها للحرب في غزة، وبذلك يتفرغ نتنياهو لمعاركه الداخلية. وفي المقابل تهدأ جبهة الحوثيين في اليمن ولا يعود هناك حاجة لأساطيل أميركية في البحر الأحمر تهاجم اليمن كل ليلة في حرب لا نهاية لها.
مفاوضات ماراثونية على شاكلة المفاوضات الأميركية الروسية والأوكرانية في السعودية يمكن أن تضع نهاية للحرب الوحشية في قطاع غزة، وتنقذ حياة الآلاف من سكانه، وتفتح أفقا لمستقبل واعد بلا نزوح ولا تهجير.
"الغد"