داحس والغبراء في نسختها الأردنية
د. عامر السبايلة
02-07-2011 04:05 AM
بالرغم من الحروب الوهمية المستعرة فإن السؤال الذي بات يتصدر اغلب جلسات الأردنيين : إلى أين نذهب وفي أي اتجاه نسير؟ .
من الطبيعي أن يسأل الانسان نفسه في فترات معينة عن اتجاهات مسيره والنهايات المتوقعة لخط سيره, ولكن أن يسأل الانسان هذا السؤال لنفسه أكثر من مرة في اليوم , فهذا أمر يستوجب التحليل والتمحيص والتوقف الحكيم عنده.
قد تختلف آراء المحللين في هذا الجانب ولكنها وبلا شك تتفق على وجهة النظر السيكولوجية التي تؤكد أن طبيعة هذا السؤال مرتبطة تماماً باحساس القلق والشك ، وبالتأكيد فإن الخوف من المستقبل في هذه الحالة هو خوف نتيجة عدم الشعور بالأمان وهذا الشعور يتولد هنا نتيجة قناعة أغلب الأردنيين بان رموز المشهد الحالي هي رموز تفتقد للعمق والخبرة السياسية التى تؤهلهم لمواجهة التغييرات والصعوبات الطارئة.
اذا فهذا الشعور الدفين والذي تؤكده تطورات المشهد في كل يوم ، لا بل ان هذا الشعور بدأ بتجاوز اطار المشاعر ليصل الى حد ما الى درجة القناعة التامة ، وهكذا فمن الطبيعي ان يتملك الانسان شعور الخوف نتيجة عدم وضوح الصورة وخصوصاُ في ما يتعلق بالأمور الواجبة فعلها أو كيفية تطبيقها .
مرحلة الخوف هذه قد تتطور كما أسلفنا الى ان مرحلة القناعة التامة, ولا بد من التأكيد على أن كل المؤشرات تشير الى وقوف الأردنيين على اعتاب هذه المرحلة ، فبعد أن استنزفت أوراق المبادرات والكلام والوعود والأحلام و الشعارات بات الجميع اليوم يحاكم الواقع الذي يعيش.
وقد تفاقمت - و بلا شك - مشكلة انعدام المصداقية وهي المشكلة الأزلية بين الناس والدولة, ولكنها تطورت اليوم وصعدت الى أعلى سلم المشاكل لتصل بنفسها الى معضلة قد تتطلب حلولاً سحرية لوقف نتائجها السلبية الحالية أو القادمة.
وقد يؤكد هذا ما قاله لي صديق بالأمس عن عدم ايمانه المطلق بأي كلام يصدر عن الحكومات, فلو أن الحكومة قالت له أن الشمس تشرق من الشرق لكذبها وقال لا بل من الغرب. هذا البعد الذي أضحى يصنف ضمن مرتبة الطلاق البائن والذي سير باتجاه بينونته الكبرى كان لا بد له أن يدق ناقوس خطر الدولة والتي وللأسف تدخل الى مرحلة التحولات الجديدة مجردةً من أهم أسلحة الدول؛ و هو القدرة على التأثير على العموم وصياغة الرأي العام.
لم يكن مشهد قضية الكازينو بعيداً عن فكر السياسات العقيمة, فقضية الكازينو والطريقة التي ضُخمت بها والأسلوب التي تستثمر به اليوم لإلهاء الشارع لم ولن تكون على أجندة الأردنيين الذين لازالوا يخطون وبخطىً حثيثة - وان كانت بطيئة نوعاً ما - طريقهم نحو الاصلاح.
نحن لسنا معنيين بقضية الكازينو أو حتى تهريب شاهين اليوم فما يعنينا بالدرجة الأولى هو الاصلاح الحقيقي, ذلك ان نجاحنا بالوصول الى هذه الغاية سيجلب لنا متهمي الكازينو ومهربي شاهين وحتى أبطال القضايا الحقيقية التي قتلت مستقبل الأردنيين وسرقت قوتهم ومقدراتهم, وهكذا فيكون مكانهم الطبيعي السجون؛ ليحاكمهم الشعب وقانونه دون منة من أحد او مجاملات وتنميقات.
وبعيداً عن دوامة الفوضى المفتعلة ودوامة الحديث الفارغ والمحاكمات المزعومة والحرب المشتعلة من اجل كلمة اتهام أو تبرئه .. بعيداً عن كل هذه الجعجعات التي تنذر بأنها مسبب رئيس من مسببات الفوضى نظراً لصعوبة السيطرة على مثل هذه التصرفات في المراحل القادمة كنا نتمنى أن يكون هذا الحراك الدونكيشوتي من أجل اقرار قانون انتخابات عصري يجلب الى المجلس من يستحق أن يصنف ضمن دائرة السلطة التشريعية ليمارس دوره التشريعي الطبيعي, عندها سنكون بغنىً عن مثل هذه المسرحيات الهزلية التي تعرف نهايتها قبل بدايتها.
وكنا نتمنى أن يكون هذا الزخم من أجل تأطير مبدأ فصل السلطات عندها لن يكون هناك حاجة للبحث عن الأوراق المغيبة في دهاليز الغرف المظلمة, وكنا نتمنى أن تكون هذه الحرب من أجل ترسيخ سيادة القانون واستقلال القضاء وتقوية القضاء المدني ليكون المرجعية الوحيدة عندها لن تكون هناك حاجة لأي كان ليحاكم او يكيل الاتهامات, ولن نخوض حروباً اليوم من طراز داحس و الغبراء أو حرب البسوس من أجل مسائل لا ترقى أن تكون على ذيل قائمة المطالب والاصلاحات نظراً لوضوحها ووضوح فسادها وشخوصه, فمن المضحك في خضم التحركات والتحولات أن نضيع وقتنا وجهدنا لنبحث عن المذنب, في قضايا بات الطفل الجالس في بيته يدرك ماهيتها وشكل فسادها والقائمين عليها.
فاستثمار عامل الجهد و الوقت هنا هو عبارة عن خسارة فادحة لا يمكن تعويضها نظراً لسرعة التحولات و استحالة مواكبتها مستقبلاً. وقد يكون استعصاء العلاج هو التشخيص الأمثل للحالة التي نعيش, و لكن لازال البتر يشير انه العلاج الأمثل الان حتى يحافظ الجسد على عافيته وسلامته معافاً.
ولكن حتى البتر لا يمكن أن ينجح الا ان تم في الوقت المناسب قبل تفاقم الحالة و الا أصبح أداة تشويه لا علاج.
http://amersabaileh.blogspot.com