ربيع الثورات العربية .. والخوف من خريفها .. !
د. سحر المجالي
02-07-2011 03:18 AM
ما زلنا نستبشر خيراً بما يسمى بربيع الثورات العربية او حركة النهضة العربية في حلتها الجديدة، او التغير السلمي للواقع العربي. وكلها اسماء تعني شيئاً واحداً فيما يتعلق بالإنسان العربي وهي الثورة على الواقع. وبالرغم من ان نهضتنا العربية جاءت متأخرة أكثر من خمسمائة عام على ما حدث في اوروبا، حيث شهد عام 1493 بداية انتشار نسائم النهضة على الواقع الاوروبي المتردي والمتخلف آنذاك، إلا أن ما يعزينا نحن معشر العرب، هو أن استهلال حراكنا بدأ بطريقة تبشر بكل خير، وتشير إلى مستقبل واعد.
ولم يكن الإنسان العربي هو السبب سيادة قرون العتمة والضياع التي عاشها العرب وفرضت وجودها على واقعه المرير، بقدر ما هو نتاج لتحالف الغرب الإستعماري في نسخته السياسية مع هويته العقيدية الكنسية واطماعه الاستعمارية. وبكل أسف وجدت هذه الحالة ضالتها على الارض العربية وواقعها غير السليم، المتسم بتخلف الأمة العربية وتمزق مكوناتها. ونتيجة لهذه الحالة، بقي العرب في سبات عميق لقرون عديدة تلت عصر النهضة الأوروبية. بل استطاعت الظروف المحيطة بالأمة وأجنداتها المتناقضة مع العرب ومصالحهم الحيوية ان تأتي على جميع الحركات النهضوية العربية التي جاءت فيما بعد لتجهضها، بدءاً من مشروع محمد علي باشا الكبير، مروراً بإبنه إبراهيم باشا، وصولاً الى المشروع الهاشمي والمتمثل في الثورة العربية الكبرى، وانتهاءً بالمشروع الناصري الذي وئد قبل ان يشتد عوده.
وهنالك من يرى أن عصر التنوير العربي قد بدأ متأخراً حتى عن اوروبا الشرقية التي بدأت نهضتها الحديثة بعد إنهيار جدار برلين عام 1989، وتفكك الاتحاد السوفيتي عام1990. اي أن العرب جاءوا متأخرين في نهضتهم الحديثة حتى عن اوروبا الشرقية التي مزقت شعوبها اغلال الانظمة الشمولية.
إلا أن الشك على قدرة الربيع العربي على الإستمرار بدأ يساور الكثيرين، حتى من بين المنتمين الى أمتهم العربية والحريصين على نهضتها الحضارية ووحدتها الشاملة.
لقد بدأت الحركات النهضوية العربية من تلك البلدة الواعدة الحالمة في جنوب تونس «سيدي بو زيد»، ومن خلال تضحية ذلك العربي الكادح «محمد بوعزيزي»، الذي يمثل لنا نحن الذين « هرمنا» حالة «مارتن لوثر كنغ»، وبصفتي لا أؤمن بالمقاربات خارج الحضارة العربية الاسلامية، فإنني ارى في «محمد البو عزيزي» ذلك الثائر العربي - المسلم على الظلم والقهر وغياب العدالة... الصحابي الجليل «أبو ذر الغفاري» رضي الله عنه.
وبالرغم من إنتمائي لمدرسة المتفائلين حول حركة التاريخ النهضوي العربي، إلا أنني اتوجس خيفة على مصير ربيع الحركات النهضوية العربية، بل ويساورني الشك أحياناً بأن قوى الشد العكسي المرتبطة بـــ»هوس» سلطة الماضي وأحلامه المريضة، ستحاول جاهدة من الإلتفاف على مبادئ هذه الثورات السامية وإجهاضها وتفريغها من مضمونها. وبالتالي إعادتنا إلى المربع الأول، والإنتظار لعقود عديدة حتى يأتي من بين ظهرانينا «محمد بوعزيزي» آخر ليشحذ هممنا، ويفجر فينا معنى التضحية والفداء وتخطي حاجز الخوف وقهره، لنعبر عن إرادتنا ونتلمس طريقنا نحو الوحدة والحرية والحياة الأفضل.
صحيح بأن الأمل، بعد الله، بالجماهير العربية التي امتطت صهوة جواد التغيير السلمي الى الإمام، وتفاعل بعض الأنظمة الرسمية العربية مع الحراك الشعبي النهضوي، ليس من أجل التقاطع مع أهداف هذا الحراك الشرعي والمشروع، بل ليمتزج معه، وفي أحيان كثيرة ليتقدم عليه كما هو الحال في الأردن والمغرب.
أتمنى ان تكون هواجسي القومية والخوف على مصير ربيعنا العربي من ان يتحول الى خريف عاجز عن مواكبة العصر، هو مجرد وهم، وأن هذا الربيع ولد ليبقى، حيث سيشتد عوده الى ان تتحرر الامة العربية من المحيط الى الخليج ضمن إطار نهضوي عربي، يعيد اليها ارادتها المسلوبة ضمن معايير الانتماء القومي العربي، وتفاعله مع بوتقة العقيدة الإسلامية السمحة، هذا ما نتمناه..!!!
الرأي