ملح و فلفل اسود و كمون بهارات المطبخ الحزبي السياسي الأردني.
د. محمد العزة
25-03-2025 05:53 PM
" الهندسة الحزبية السياسية ", كان المصطلح و الوصف الاكثر تداولا في مرحلة نشاط اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية و ما تلاها من اطلاق مساراتها الثلاث ، ليتبعها الانتهاء من مخططات البنية التحتية و تنفيذ رسوماتها الهندسية فعليا بحسب قانون الأحزاب و الانتخابات النيابية و التشريعات و التعليمات الناظمة لها ، التي مكنت الأحزاب الانخراط فيها كل من موقعه و حسب انتماؤه للمساحة و اللون السياسي المدرج فوق المسطرة الحزبية ( يسار ، وسط ، يمين ) ، لننتقل اليوم لاستخدام مصطلح (الطبخة الحزبية) إشارة إلى مستوى النضج لفكرة الحزبية البرامجية داخل أدبيات و ابجديات وعي الأحزاب الاردنية و مدى قدرتها و تمكنها من تقديم فعل و خطط عمل لنشاط واقعي يترجم و يجسد الحزبية البرامجية ، منهجا و نموذجا حقيقي يتم تداوله على كافة المستويات ، خاصة فترة ما قبل الانتخابات ، خلالها ، و ما بعدها.
"الطبخة الحزبية" مصطلح يرمز للطريقة المثالية لإعداد الوصفة الحزبية على طريقة البرامجية السياسية داخل المطبخ الحزبي و مستوى صانع القرار السياسي فيه ، التي يضع فيها تصوراته حول ، شكل،مذاق ، لون ، و مكونات الوصفة الصحيحة المتوقعة، لتكون النتيجة عند النضج وصفة أو تشكيلة وجبات من الاطباق الوطنية الأردنية الأصيلة و المستمدة من باقي المطابخ العربية و الإقليمية و العالمية الحديثة القريبة من ثقافة بيئته كما هو الحال في الشراكة الأورومتوسطية على سبيل المثال أو صندوق مجلس الوحدة الاقتصادية العربية. الاطباق المتوقع أن يتم صناعتها ستكون وجبات مشاريع انتاجية ، مقترحات و أفكار ابداعية ، يستصيغها المواطن الأردني و تبهج سرائره ، تهضمها معدة عقله لتسد جوعه و تروي رمقه و تلبي طموحاته في رفع مستوى ظروف معيشته الصعبة الراهنة الى الافضل ، الأمر الذي سيؤدي إلى تحسين نمط تفكيره و انطباعه حول طبيعة أثر عمل تبني البرامجية داخل الحكومات و البرلمانات الحزبية لغايات تحقيق الانجاز الملموس و المحسوس و المستصاغ ذوقا.
النمطية التقليدية السائدة هي ما تعكسه اليوم قائمة الوجبات من أداء و نشاطات عن واقع الحال الحزبي الاردني ، الذي ينم أن لا شيء تغير علي طريقة أعداد الوصفات ، حيث المنتج الحالي مازال يعاني لائحة تحتوي بعض الدسم القائم على بعض التصريحات المحلية الانفعالية الارتجالية هنا أو إقامة المسيرات و الفعاليات المصحوبة مع الشعارات الشعبوية هناك أو إثارة النقاشات الجانبية حول بنود الشأن الداخلي تكون بمثابة مقبلات باردة ، تقدم على استحياء قبل الوجبة الساخنة التي احترف وبرع البعض منهم في إعداد و تقديم وصفتها ، عبر تعلمها من الخارج و أو توارثها من الداخل و نقلها إلى مطبخ الحياة السياسية الأردنية حتى صارت بل استطاع جعلها أحد الاطباق الرئيسية فيها ، و هنا تكمن المشكلة . المشكلة أن هذه الوصفات شخصت على انها السبب في حالة الخمول لحركة الشارع ، في تعطيل فكره و خفض مستوى وعيه ، وفي غرز أنماط من السلوك الاجتماعية السياسية الشائعة السلبية، أخطرها جاءت من وراء الجهوية المناطقية أو وصاية التمثيل الديمغرافية و إساءة سلطة رأس المال ، حيث أنتجت اللامبالاة و تقديم نظريات القطع بالشك المؤدي إلى الرفض و عدم المشاركة الفاعلة و عدم اللامبالاة ، نمط اخر العاطفية السياسية بأنواعها القبلية و الدينية التي استغلها بعض التيارات السياسية في صياغة صكوك تفويض و وصاية على القرار عند اتخاذه أو حجبه ، الأمر الذي أدى ضمور ماكينة الطبقة الشعبية و تكلس مفاصلها و توقفت ساعة الزمن لديها راضين بأصناف الوجبات المقدمة المعتادة دون إبداء الرغبة في التحديث أو التجديد و مواكبة فكر الأجيال الحالية و الاطلاع على وجهات نظرهم عن السلم و الحرب ، عن المقاومة و الديبلوماسية ، عن أحلامهم داخل مجتمعهم في وطنهم و مشاكلهم و السماع لما يقترحوه من حل لتحقيقها و التخلص من كابوس مشاكلهم ، غياب كل ذلك بعث رسالة مفادها : اطباق تلك الأحزاب صارت بلا طعم أو رائحة بلا بهارات فقط لون ، مشكلة تساعد على الركود و الكسل ، حافز يشجع على السبات عند دخول الفترة الشتوية ، أو الاسترخاء و الاستمتاع لقضاء الاجازة في العطلة الصيفية ، فقط تعلن حالة التأهب اوقات المناسبات السنوية أو في مواسم توزيع المناصب و تقسيم المكاسب السياسية. لا احد يختلف بل بالكاد الكل يجمع و يتفق أن صانع القرار داخل المطبخ السياسي الأردني و عبر مراحل تطور الدولة ، نتيجة رؤيته المتجددة و جذوره المتمسكة بالأصول و الموروث و الأصالة ، إتاحة فرصة خلق بيئة ثقافية سياسية غنية ، سمحت لكافة وصفات المطبخ الحزبي بالدخول و استعراض مهاراته وحرية التفكير و اختيار الطريقة بإعدادها لكن مع الأخذ بعين الاعتبار إعطاء الأولوية بألتزام أستخدام مكونات المطبخ السياسي الأردني الأساسية ( الثوابت ) و لامانع من استخدام شيء من المكونات الجديدة و البهارات، رغم ذلك للان لم يستطع في تطويع أو تطبيق تلك الوصفات وفق الذوق السياسي الرسمي و الشعبي الاردني . نضوج الطبخة البرامجية الحزبية السياسية ، بحاجة إلى العودة للبداية ،ليكون اولا الاتفاق على الوصفات الأساسية لها ، السماح بإضافة بضع بهارات دون زيادة أو نقصان ، و الإقرار اننا بحاجة إلى إضافة ملح نستخرجه من عرق جبيننا و طين ترابنا الاردني رمزا لرشد الذوق و اعتداله و ضبط معاييره، بحاجة الى فلفل اسود يشعل المعاني و يلهب القوافي و الاحاسيس الحقيقية بالمواطنة و الهوية الاردنية وحرارة الوحدة الوطنية و التأكيد على جبهة داخلية موحدة تسخن لحد الغليان لصد اي تهديد جبان يحاول أحراقها أو اختراقها ، قليل من الكمون وإظهار اللون السياسي الحزبي هو عنوان ليافطة تفصح عن فلسفة ذلك الحزب و أهدافه و تكشف طبيعة برامجه و فكره سعيا لتحقيقها . للامعان أكثر في تبني البرامجية داخل الأحزاب ، هناك حاجة إلى جهد أكبر في تبنيها كوصفة و التدرب على كيفية أعدادها و طرحها ضمن نماذج مشاريع فعلية تسهم في النهضة و التنمية على كافة مستوياتها و مساراتها ، دون الاكتفاء بالقسم على أنها ستكون موكولة أو سيتم أعدادها ضمن سياق واجب التكليف ، بل وجب اظهار الشغف و الحس المرهف النابض بالاخلاص والوفاء و الانتماء لهذا الوطن ، الساعي للإبقاء و الايفاء بعهدنا له أن يظل عزيزا كريما آمنا مطمئنا مستقرا.