facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




تطوير التجربة الحزبية يحتاج لفهم أعمق لحدود الظاهرة


د. اسامة تليلان
24-03-2025 02:42 AM

سعت منظومة التحديث السياسي الى توفير البيئة التشريعية والضمانات لوجود تعددية حزبية متوازنة وتمثيل حزبي برلماني فاعل.

- مخرجات منظومة التحديث السياسي أوسع وأعمق مما كان يتوقعه المراقبون والأحزاب.

- تطوير التجربة الحزبية يحتاج الى جهود مستمرة تقودها الأحزاب من الداخل نحو مأسستها وحوكمتها، وتعميق الديمقراطية الداخلية، وتطوير أدواتها، وتعزيز أدائها الخارجي.
- غياب الحوكمة والقيم المؤسسية وتأهيل القيادات قاسم مشترك في غالبية الأحزاب.

- تطوير التشريعات الناظمة للمسار الديمقراطي لم يواكبها عمل مؤسسي يهدف الى تغيير التوجهات الثقافية المجتمعية السائدة.

- تغيير الثقافة السائدة والصورة النمطية حول الأحزاب يتطلب أيضاً تطوير الأحزاب لقواعد اشتباكها الايجابي مع المجتمع وتعميق ديمقراطيتها الداخلية.

- بعد سيادة الديمقراطية والاحتكام لصناديق الاقتراع اصبحت الأحزاب شريكاً في النظام السياسي وليس منافساً له ومكوناً أساسيا يصعب الاستغناء عنه. بكل ما يعنيه من تغير في طبيعة وأدواتها وادوارها وبرامجها وفي طبيعة العضوية وفكرتها، لكن هل تدرك الأحزاب هذه التحولات؟؟

- الأنظمة التنافسية الديمقراطية داخل الأحزاب هي البديل عن النظم الفردية والشللية ونظم التبعية التي تشكل بيئة طاردة للشباب والمرأة وللكفاءات ولتعميق الديمقراطية الداخلية.

- التشوهات الجذرية في قاعدة العضوية الحزبية وفي فكرة العضوية تقوض عمليات الإصلاح الحزبي الداخلي وتحد من قدرة الأنظمة التنافسية الديمقراطية على أن تكون مؤثرة وفاعلة وكذلك قدرة الأحزاب ذاتها.

- الأهم بالنسبة للأحزاب حجم القاعدة التصويتية لعامة الناخبين وليس حجم القاعدة العضوية الحزبية، وهذا الفهم يحتاج الى اجراءات جديدة وتطوير أدوات وخطط الأحزاب لزيادة فاعلتيها وقدرتها على الوصول الى أصوات الناخبين.

- بسبب العتبة كان حجم الأصوات المهدور كبيراً.

- خمسة عشرة قائمة لم تصل للبرلمان بعضها قوائم تحالف بمجموع أصوات كان يمكن أن يحجز لها أكثر من خمسة عشر مقعداً لو شكلت قائمة تحالف.

- لا بد من عملية مراجعة شاملة لمسارات الفكرة الحزبية بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، وفي ضوء ذلك لا بد من فتح قانون الانتخاب واجراء مراجعات عميقه حوله ليتناسب مع المرحلة القادمة.

.....
كما تكشف أي انتخابات يتم اجراؤها بموجب نظام انتخابي جديد في اليوم الثاني عن المزايا والفرص الضائعة أمام المتنافسين وخصوصا الأحزاب، فإنها تكشف أيضا عن جوانب الضعف في أداء عدد وازن منها، وهذا يعود للعديد من الأسباب منها:

عدم معرفة مزايا النظام الانتخابي الجديد ومنها ما يعود لحداثة تأسيس بعضها وعدم استكمال عناصر بنائها، ومنها يعود إلى عدم رسوخ الديمقراطية الداخلية والأنظمة التنافسية، وضعف حضورها الخارجي، ومنها ما يعود لعدم إدارك التحولات التي اصابت فكرة الأحزاب وأدواتها بعد سيادة الديمقراطية، ومنها ما يرجع الى طبيعة الثقافة السياسية السائدة وموقفها من الأحزاب.

ويمكن القول أن ظاهرة ضعف أداء الأحزاب وقدرتها على الوصول الى البرلمان رافقت الحياة الحزبية والبرلمانية منذ العودة للحياة الحزبية عام 1992 أي منذ حوالي 33 عام أجريت خلالها أكثر من عشرة انتخابات نيابية عامة.

لذلك تشكل عمليات المراجعة والتقييم المبنية على أسلوب منهجي وعلمي ضرورة لفهم أبعاد هذه الظاهرة، وضرورة لكافة الأحزاب الراغبة في تطوير أدائها، ولعل تجربة الانتخابات النيابية الأخيرة بعمومها على مستوى الأحزاب أي بعد العمل بقانون انتخاب عزز من حضور الأحزاب في البرلمان، كشفت عن محطات مهمة يبنغي العمل عليها على مستوى الأحزاب الداخلي، إذا ما أرادت أن تحسن أدائها وحضورها السياسي والبرلماني.

التي يمكن اجمال بعضها بعدد من المحاور :

المحور الأول: ضعف أو غياب المأسسة والحوكمة لدى غالبية الأحزاب، أي حوكمة كافة هيئات الحزب وقراراته واجراءاته وأنظمته، وضمان توفر أدوات المسائلة والمتابعة، وتوسيع قاعدة توزيع المهام بدل تكديسها بيد قلة، واستكمال بناء الحزب كمؤسسة تمتلك عناصر القدرة على الاستمرارية والتكيف والاستجابة للظروف والتحديات ، وبناء الرؤية والاستراتيجات والاستدامة المالية، والحفاظ على أداء سياسي واجتماعي خارجي مؤثر.

وهذه تشكل الرافعة الأساسية في عملية التطوير، لإن تعزيز أداء الحزب وتعزيز حضوره السياسي والاجتماعي يشكل حاصل جمع أداء كافة هيئاته وفروعه. وهذا يحتاج الى جهود مستمرة تقودها الأحزاب من الداخل نحو مأسستها وحوكمتها وتعميق الديمقراطية في قراراتها واجراءاتها.

لإن البديل في غياب الحوكمة والمأسسة زيادة فرص عدم التماسك وعدم القدرة على التطوير والتجديد وضعف الاستقرار التنظيمي وسوء ادارة الموارد وغياب التخطيط الاستراتيجي لصالح الارتجال والارتباط بإفراد محددين كبديل عن المؤسسة التي تملك سياسات واضحة وبرامج مؤثرة وتحالفات مستقرة تزيد من قدرة الحزب على الاشتباك الفعّال مع التشريعات والممارسات والسياسيات العامة ومع المجتمع.

وقد تنبهت الهيئة المستقلة للانتخاب الى أهمية الحوكمة وبادرت لعقد دورات متخصصة في مجال حوكمة الأحزاب، بالإضافة لوجود توجه لديها كما علمت للتعاون مع الأحزاب للعمل على حوكمة انظمتها الداخلية، ومن وجهة نظري ينبغي أن تكون حوكمة الأنظمة الأساسية أو الداخلية للأحزاب جزء من معايير الدعم المالي الموجه لها، إن لم يكن شرطاً لترخيصها، ولهذا ما يبرره على الأقل من جهة أن أموال الأحزاب تعامل في القانون بحكم الأموال العامة.

المحور الثاني: ضعف الديمقراطية الداخلية وأدواتها، وذلك بسبب ضعف الاهتمام بضمان التدابير الأساسية لحماية هذه الديمقراطية وتعميقها وأيضا بفعل غياب الحوكمة، وهذا ما كشفته ممارسات عدد وازن من الأحزاب خلال محاولتها تشكيل قوائمها لخوض الانتخابات النيابية الأخيرة، بالإضافة الى ممارسات أخرى من أبرزها غياب المسائلة والمتابعة الحقيقية وعدم الاكتراث باللوائح الداخلية والأنظمة الأساسية والقوانين الداخلية وضعف الشفافية وانقطاع العلاقة التمثيلية بين الناخب والمنتخب وبين الهيئة الناخبة والهيئة المنتخبة.

كما تتجلى صور هذا الضعف بالعديد من المظاهر منها سيطرة مجموعة صغيرة أو فرد واحد (الزعيم أو القائد الفذ) على صنع القرارات، وغياب أو تزييف الانتخابات لاختيار القيادات، أو إجراؤها بشكل صوري، أو سيطرة شلة على نتائجها، وعدم وضوح آليات اتخاذ القرار والتمويل والإنفاق الحزبي، وعدم إشراك القواعد الحزبية في رسم السياسات، وتقييد حرية التعبير داخل الحزب، وعدم السماح بظهور تيارات داخلية مختلفة، وتهميش أو معاقبة من يطرح آراء معارضة بمعنى آخر قمع المعارضة الداخلية، وعدم وجود آليات لمحاسبة القيادات الحزبية أو مراجعة قراراتهم.

وهكذا يؤدي ضعف الديمقراطية الداخلية الى تركيز السلطة والمهام بيد عدد محدود مما يقلل من مشاركة الأعضاء، ويحد من تمثيل مختلف الآراء، ويتحول الحزب تدريجيا إلى كيان مركزي يتحكم فيه زعيم واحد أو مجموعة صغيرة مما يخلق بيئة قائمة على الأقصاء بدلا من الحوار والتوافق.

وعندما لا يشعر الأعضاء بإن لهم دور في اتخاذ القرار وعندما تهمش الكفاءات وتغيب الشفافية عن إدارة الحزب، تزداد احتمالات الانقسامات والخلافات وفقدان الثقة وتتراجع فعالية الحزب في العمل السياسي والاجتماعي وتقل قدرته في التأثير في المشهد الوطني العام وتزداد احتمالات مغادرة الأعضاء الفاعلين الحزب والانضمام لتيارات أخرى مما يؤدي الى تآكل الحزب من الداخل.

المحور الثالث: غياب الأنظمة التنافسية التي تشكل أساس الديمقراطية وجوهرها وآلية تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص بين الأعضاء، وآلية استثمار طاقاتهم في طريق وصولهم الى المواقع القيادية والترشيحات العامة، كبديل عن النظم الفردية والشللية غير الديمقراطية (نفوذ بعض الأفراد أو مجموعة صغيرة تدير شؤون الحزب وقراراته)، التي تشكل بيئة طاردة للشباب ولاصحاب الكفاءات ولرأس المال البشري، وتعيق كذلك تعميق الديمقراطية الداخلية وتكريس القيم الايجابية. وتشكل بيئة غير صحية لبناء هياكل حزبية تحظى بالقبول الاجتماعي والفعالية السياسية لإنها النقيض للديمقراطية والمؤسسية.

ومن مظاهر غياب الانظمة التنافسية غياب الأنظمة الداخلية التي تفاضل بين الأعضاء حسب انجازهم وكفاءتهم في تطوير الحزب، مما يجعل التراتبية الحزبية اكثر انضباطا في اعتمادها على مقدار ما ينجز العضو من واجبات وما يطرحه من مبادرات وافكار خلاقة تنهض بأداء الحزب واشتباكه الخارجي.

كما يسهم غيابها في تغليب المصالح الشخصية أو العائلية أو الفئوية، وضعف القيم الايجابية، وتراجع قيم العمل العام والصالح العام، وبقاء نفس الأشخاص المتحكمين بالحزب لفترات طويلة دون إعطاء فرصة لوجوه جديدة، والترهل العام بسبب تراكم القناعة بأن التفضيلات والخيارات تحسم بطرق شخصية وشللية وليس بناء على الكفاءة والتنافس بالطرق الديمقراطية.

بالمقابل تعمل الأنظمة التنافسية على تحفيز الأعضاء لخدمة مصالح الحزب وحماية الصالح العام وتعظيم قواسم العمل المشرك والقيام بواجباتهم وتقديم افكار وبرامج ذات فاعلية، كما تقلل هذه الأنظمة من بقاء قلة في دائرة القيادة لفترات طويلة مما يسمح بظهور قيادات جديدة بافكار مختلفة من مختلف الخلفيات والفئات، كما تعطي انطباعا ايجابيا عن الالتزام بالممارسات الديمقراطية، وتسهم في خفض النزاعات حول شرعية القيادة والقرارات وتسهم في تعزيز مهار ات الحوار والاقناع.

وكل هذه العوامل والاجراءات تزيد من تماسك الحزب واستقراره وفي حصوله على ثقة الأعضاء والمجتمع ويصبح جاذبا لرأس المال البشري الجاد في الانخراط في الحياة الحزبية والسياسية.

ولكن الأنظمة التنافسية وغيرها من الأنظمة لن تعمل ولن تحقق النتائج المرجوة منها طالما أن اللوائح التنظيمية ليست قوية بشكل كاف لضبط العملية الديمقراطية وطالما أن قاعدة العضوية في الحزب مليئة بالتشوهات، وهذا ما سيتم تفصيله في محور العضوية.

المحور الرابع: العضوية
تعاني العديد من الأحزاب من تشوهات أساسية في بنية العضوية وفي فكرتها، واساس هذه التشوهات يكمن في عدم إدراك التحولات التي اصابت فكرة الأحزاب بعد سيادة صناديق الاقتراع في تشكيل البرلمانات والحكومات التي من أهمها:

-إن الانتقال من فكرة الأحزاب الجماهيرية التي تعتمد على عدد الأعضاء إلى فكرة الأحزاب البرامجية أدى الى تراجع قيمة الكم لصالح النوع بالنسبة إلى القاعدة العضوية الحزبية.

بمعنى النوع القادر على توفير رأس المال البشري في مختلف المجالات والقطاعات لبناء هياكل الحزب وبرامجه وتسويقها وتمويله وتعزيز فعاليته في إطار المجتمع والنظام السياسي، النوع القادر على حماية الصالح العام والدفاع عنه وما يرتبط به من قيم واخلاقيات اساسية في العمل العام.

-إن القاعدة الحاسمة لأي حزب يسعى الى تشكيل أغلبية برلمانية، لا تعتمد على عدد أعضاء الحزب وأصواتهم في الانتخابات العامة، وإنما على أصوات القاعدة الانتخابية العامة التي تدلي بصوتها في صناديق الانتخاب لصالح الحزب الذي تمكن من بناء سمعة وأثر في الحاضنة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية العامة في المجمتع، التي ستنعكس في فترة لاحقة في برنامجه الانتخابي.

وهذا العامل يصعب تحقيقه بدون عضوية نوعية، وقد يكون هذا العامل من أهم المداخل في تفسير الكثير من النتائج السلبية.

التشوهات في القاعدة العضوية لم تتوقف عند التوسع الكمي في عمليات الاستقطاب وإنما أيضا في نوع هذا التوسع (العضوية غير الملتزمة أو غير النوعية) وهدفه المباشر، التي تدور أبرز انواعها حول العضوية العائلية وعضوية العاملين وعضوية الهويات أي العضوية القائمة على تجميع الأنفس ليس بناء رأس المال البشري وتوسيع الانتشار الخارجي وإنما لتعزيز هيمنة الشلة وسيطرتها على المواقع القيادية، وبالتالي تظهر هذه العضوية اثناء الانتخابات الداخلية ثم تعود وتختفي.

وهذا ربما ما يفسر أيضاً تمركز بعض الهواة في مراكز التخطيط والتنظيم في بعض هذه الأحزاب، ويفسر استقالات أو أبتعاد الأعضاء النوعيين أو محاولة ابعادهم.
يترافق مع ذلك بالضرورة والطبيعة تعزيز نظام التبعية كنظام غير ديمقراطي يهدف الى خلق اتباع وليس شركاء من أجل بناء مشاريع شخصية كبديل عن بناء مؤسسة حزبية ديمقراطية.

ونظام التبعية عندما يوجد فإنه يعم مختلف المستويات الحزبية والعلاقات الداخلية، فنظام التبعية المتمثل في الأعضاء الطالبين للمنفعة من جانب، والرعاة من جانب آخر متأصل في كافة التفاصيل بنفس القدر من اللاديمقراطية؟.

وعندما يعم هذا النظام يتم وأد فكرة الصالح العام والعمل العام ويتحول الأعضاء الى باحثين عن منافع آنية ومصالح مباشرة ومع الوقت يصبح الحزب ليس سوى محطة مترهلة لا تعني للأعضاء شيئ سوى البحث عن موطئ قدم خارجه أو تحصيل بعض منافع صغيرة مادية وغير مادية يتيحها تغييب الصالح العام.

وهذا النظام في الغالب هو الأنسب لتفسير وتحليل سبب انتساب أعضاء للحزب ليس لديهم القدرة أو الرغبة في العمل السياسي ولا ايمان بفكر الحزب، وتفسر تمركز من يستطيعون تسويق انفسهم كرعاة، وهنا تتبلور علاقة التابع والمتبوع.

ويكتمل هذا النمط عندما يتمكن البعض من تزييف وعي الأعضاء وايهام بعضهم أن جهدهم يذهب باتجاه بناء حزب سياسي ديمقراطي، وتأميل الطامحين بإن جهدهم هو رصيدهم في حساب التنفيع، وهنا تكتمل دائرة نظام التبعية على حساب الأنطمة التنافسية الديمقراطية.

يرافق ذلك في الغالب عمل ممنهج لإقناع الأعضاء بقيم مثالية لكنها سرعان ما تتكشف وتبدأ الاشكاليات، الى جانب ضبابية بعض الأنظمة الأساسية بحيث يتم اكسابها بالعموميات مظهر ديمقراطي وفي تفصيلاتها نقيضها.

وهذا كله يؤدي الى وصول نوع من القيادات الحزبية الى مواقع القرار بعضها يتسم بالضعف السياسي والاداري وبعضها مرتعد أو تابع ويدار بالتأثير عن بعد أو بالايحاء ولا تقيم وزن للصالح العام ولا للعمل العام، لذلك تبدأ ثقة الأعضاء والمجتمع بالتراجع تجاه هذا النوع من الأحزاب فضلاً عن تأثيرها على التجربة الحزبية بعمومها.

هذه التشوهات التي تتركز في غياب العضوية النوعية والعضوية الملتزمة تشير إلى عدم إدارك أن القاعدة التصويتية العامة للناخبين وليس القاعدة التصويتية الخاصة لأعضاء الحزب هي الفيصل في حصول الحزب على مقاعد وازنة في الدائرة العامة، وبدون عضوية نوعية تمتلك البنى المعرفية والتنظيمية والتسويقية ... الخ يصعب أمتلاك أي حزب للقدرة على الوصول الى القاعدة الانتخابية العامة، وهذا ما أكدته نتائج بعض الأحزاب في الانتخابات الأخيرة. ومن هنا ينبغي أن تبدأ الاحزاب في عمليات المراجعة والتقييم لتعزير فرصها في الوصول الى البرلمان.

المحور الخامس: الايرادات المالية الحزبية
العقبة المالية ليست قدراً محتوماً على الأحزاب إذ بالأمكان التعامل معها إذا كان الهدف بناء مؤسسة ديمقراطية متعددة الوظائف والمجالات، شريطة أن لا تعاني فيها القاعدة العضوية من تشوهات جذرية، ذلك أن أول مصادر التمويل المالي تأتي من العضوية السليمة من خلال الالتزام بالاشتراكات وما يقرر من التزامات مالية على أعضاء الهيئات القيادية ضمن نظام واضح، التي يمكنها أن تمول النفقات الجارية الاساسية مثل ايجار المقرات والرواتب والاحتياجات اليومية.

على أرض الواقع في الأحزاب التي تنتشر فيها أنواع العضوية المشوهة مثل العضوية غير الملتزمة والعضوية غير النوعية يصبح تحقيق هذا الشرط أمر في غاية الصعوبة لإنه بأبسط الأحوال ودون الدخول بالتفاصيل، فإن الملزم بدفع الاشتراكات عن الاعضاء اشخاص بعينهم خصوصا في عضوية العائلة وعضوية العاملين وغيرها لأن هؤلاء الأعضاء ليسوا أعضاء حقيقيين انتموا للحزب وفكره بمحض أرادتهم ورغبتهم، وإنما لغايات محددة يتمركز جلها في مؤزارة عضو محدد لدعمه في اوقات الانتخابات الداخلية أو دعم خياراته وتوجهاته، وهذه الحالة تشكل مع الوقت قضية مصلحية مشتركة للاعضاء الملزمين بدفع الاشتراك عن هؤلاء المؤازرين، وبالتالي يصبح حراكهم في كل مرة يتجه نحو محاولة تعطيل العمل بنظام الاشتراكات والالتزامات المالية، وبالتالي حرمان الحزب من هذا المورد وما يترتب عليه من قضايا سلبية أخرى.

أما في الأحزاب القائمة كمؤسسات ديمقراطية على قاعدة عضوية من نوع العضوية الملتزمة والنوعية ولها امتدادها واشتباكها الفعّال مع القاعدة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية فإنها ستكتسب ثقة عامة وبالتالي تصبح فرصها على الأغلب متاحة في الحصول على دعم مالي في إطار من الشراكات المختلفة، ويصبح تسديد الاشتراك والالتزام عنوان من عناوين الإيمان بفكر الحزب ومنطلقاته.

كذلك الأحزاب التي يمولها شخص أو عدد محدود من الاشخاص يكون في الأغلب من الصعب أن تسعى إلى بناء مؤسسة ديمقراطية حقيقية، وبالتالي ستسود فيها النظم الفردية والشللية والتبعية لضمان سيطرة فعالة على الحزب ومواقعه القيادية، وهي انظمة كما ذكرنا معادية للديمقراطية وطاردة للكفاءات والشباب وغيرهم.

يترافق مع ذلك ضعف الإدارة المالية وآليات ضبط الانفاق المالي، في الوقت الذي تعاني فيه غالبية الأحزاب من شح الموارد المالية بسبب ضعف أو غياب الحوكمة المالية بالدرجة الأولى التي من شأنها توفير إدارة رشيدة للموارد المالية بحيث تدير الأحزاب مواردها القليلة بأعلى مردود ممكن، وتضمن الكشف عن مصادر التمويل وأوجه الانفاق وتقليل فرص الفساد، وتكسب الحزب ثقة الأعضاء والمتبرعين، وإدارة وتوزيع الموارد المالية بفعالية تساعد في وضع خطط مالية مستدامة وتطوير آليات رقابة فعالة تمكن الحزب من تنفيذ برامجة.

وبالتالي فإن غياب الحوكمة المالية سيقود حتماً الى انعدام الشفافية والثقة بسبب غياب آليات الرقابة المالية فضلا عن الشبهات حول مصادر التمويل والانفاق والاعتماد على مصادر تمويل غير مستقرة، ومخالفة قوانين التمويل السياسي، وعدم القدرة على تطوير استراتيجيات تمويل مستدامة.

المحور السادس: ضعف الاشتباك الخارجي وعدم القدرة على بناء سمعة الحزب.

ضعف الاشتباك الخارجي الايجابي اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وسياسياً..الخ معضلة الأحزاب في طريقها لبناء سمعتها وبلورة هويتها وفرز لونها، وبدون ذلك يصعب أن يكون الحزب رقماً فارقاً في المجتمع أولاً وفي البرلمان ثانياً وفي النظام السياسي ثالثاً.

ولا يمكن لأي حزب أن يمتلك القدرة على احداث هذا الاشتباك ما لم تكن قاعدة العضوية حقيقية ونوعية، وما لم يستند الى بناء مؤسسي محوكم وديمقراطي، ولا يعاني من غربة الإعلام الرقمي، ولديه هيئات فاعلة وأدوات تواكب متطلبات العصر، وتفاعل موضوعي ومنهجي مع القضايا العامة والقضايا المجتمعية، وبناء علاقات وتحالفات ومسارات خارجية محكمة التخطيط والتنفيذ.

ببساطة لا يمكن لأي حزب أن يكون فاعلاً ولديه فرصة حقيقية ليكون رقماً برلمانياً ما لم تكن لديه حاضنة اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية أو قيمية .. الخ، ومن ثم يتضهر حضوره التمثيلي والسياسي.

لذا على الأحزاب أن تستمر في تحديث انظمتها ودمقرطتها وحوكمتها لتكون بيئة جاذبة للشباب والمرأة والفاعلين والنوعيين في المجتمع، وأن تعكس في قراراتها واجراءتها منظومة قيمها وتوجهاتها، وأن تسعى بشكل مستمر لتعزيز اشتباكها الايجابي مع قضايا المجتمع ومع التشريعات والسياسات والممارسات العامة بأسلوب علمي وموضوعي غير متقطع، كي تكستب الأهلية والقبول الاجتماعي الذي يشكل القاعدة الأساسية لتحفيز الناخبين على الذهاب الى صناديق الاقتراع والحصول على ثقتهم.

في الختام، تأسيس الحزب عملية قانونية متاحة، لكن بناء الحزب كمؤسسة سياسية ديمقراطية فاعلة عملية متداخلة ومعقدة، وتحتاج لمراحل بناء متتابعة حتى يكون الحزب قادراً على بناء مصادر تمويله وتجديد قياداته بسلاسة وعلى التكيف المستمر في أدواره وبرامجه وتموضعاته، وعلى عكس قيمه وفكره في مصفوفة قراراته واجراءاته واشتباكه المجتمعي الخارجي.

ولكن للأسف لم تهتم الغالبية ومنهم المتنفذين داخل هذه الاحزاب بهذا الجانب لأسباب عديدة وفي مقدمتها الابعاد الشخصية والمصالح الفردية، بالإضافة الى طبيعة علاقة الأعضاء مع الحزب ومحركاتها واهدافها الحقيقية التي يغلب عليها الصالح الشخصي، لذلك نشئت أحزاب واخفتى بعضها ولا فاعلية تذكر لها في المجتمع وفي النظام السياسي.

الأحزاب في الاردن بعد مخرجات عملية التحديث السياسي تموضعت كشريك في النظام السياسي ومكون أساسي يصعب الاستغناء عنه سواء خارج البرلمان أو داخله، ذلك أن أهمية الأحزاب في النظم البرلمانية لا تكمن في عدد أعضائها وإنما في وظائفها التمثيلية والنوعية، التي بدونها يفقد النظام السياسي أهم آلياته في تشكيل الحكومات البرلمانية وتداولها بين الأغلبية والأقلية وتجديد النخب السياسية والاقتصادية... الخ، ويفقد أحد أهم وظائفه الرقابية التي تمارسها كتلة الأقلية، التي تعد من أهم الوظائف أن لم نقل أنها تتقدم على التشريعية أو تعادلها، وتفقد الانتخابات ميزة التنافس البرامجية. وهذا يتطلب توفر العضوية النوعية والملتزمة في الأحزاب.

مستقبل التحولات الحزبية وقانون الانتخاب
من وجهة نظر شخصية حول مستقبل التحولات الحزبية لدينا فإن احتمالات التراجع والتقدم تسير بنفس الوتيرة على الأقل للعدد الأكبر من الأحزاب، إذ بالاضافة لما سبق من عوامل واسباب، ما زال ضعف القيم والتدابير المؤسسية والديمقراطية وتمركز الأبعاد والمصالح الفردية الضيقة وضعف الخبرة وضعف الاهتمام بالصالح العام والفهم المشترك للعمل العام يشكل جزءً رئيسياً من طبيعة الأمور السائدة في غالبية الأحزاب.

كما أن عدم مواكبة منظومة القيم الاجتماعية والتوجهات الثقافية السائدة في المجتمع مع عملية تحديث التشريعات الناظمة للحياة الديمقراطية يشكل تحدياً أمام تعميق الديمقراطية وحضور الأحزاب اجتماعيا وثقافيا.

وقد لا يكون كافياً عقد أو عقدين لتحقيق ذلك بدون برامج موجهة لتغيير النسق الثقافي لا سيما الموقف من الأحزاب والتعددية والمرأة والمواطنة وقبول الآخر والاحتكام لقواعد العملية الديمقراطية.

يضاف الى ذلك أنه في ظل عدم تبلور الظروف والعوامل الخارجية المؤثرة في خلق حياة حزبية فاعلة خصوصا تلك المرتبطة بالتحولات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والديمقراطية وتعقد العلاقات المجتمعية وتمايز الطبقات والمصالح والدفاع عنها، فإن ما يرشح من عوامل على المستوى الداخلي للأحزاب مثل التي ورد ذكرها تزيد من احتمالات بقاء عدد كبير من هذه الأحزاب خارج إطار هذه المرحلة.

وإذا كان هناك سبيل لتعزيز نجاح هذه التجربة لا بد بداية من العمل على توطين الحوكمة والمأسسة في كافة أنظمة الأحزاب وتعزيز الديمقراطية داخلها من خلال تدابير واضحة، وتطوير فكرة العضوية، وتعزيز اشتباكها الخارجي الايجابي وتطوير أدواتها مع المجتمع والنظام السياسي والسياسات العامة.

من هنا تكتسب عملية المراجعة الشاملة لكل هذه المسارات والتجربة برمتها صفة الضرورة القصوى، بهدف تطويرها بشكل طبيعي، وهذا التطوير يحتاج لفهم أعمق لحدود الظاهرة ومآلاتها المستقبلية وأثرها السياسي والاجتماعي والاقتصادي... الخ.

الى جانب فتح قانون الانتخاب وإجراء مراجعات عميقه حوله، خصوصا إذا علمنا أن نسبة المنتمين الى أحزاب من أعضاء مجلس النواب الحالي بلغت 75%، وأن حجم الأصوات المهدور كان كبيراً نوعا ما بسبب العتبة، وأن خمسة عشرة قائمة لم تصل للبرلمان بعضها قوائم تحالف بمجموع أصوات كان يمكن أن يحجز لها أكثر من خمسة عشر مقعداً لو ساعدها القانون على تشكيل قائمة تحالف.

















  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :