قارئ تاريخ الأردن الحديث منذ نشأته في عشرينات القرن الماضي كثمرة من ثمار الثورة العربية الكبرى المُنطلقة من بِطاح مكّة المكرمة، المنادية بتحرر العرب واستقلالهم مما كانوا يعانونه من ظل حكم الاتحاديين، والأسس التي بُني عليها كيانه السِّياسي منذ اليوم الأول لظهوره، والمتمثلة بالحرية والعدالة والوحدة والكرامة الإنسانية يفهم خصوصيته التي جعلت منه وِجهةَ خيل الله لقوات الثورة العربية خارج الجزيرة، ومحطة التحرير الأولى لبلاد الشام والعراق، ويدرك أن تاريخه وحاضره مسيرةٌ من كرامة وعروبة.
الأردن الذي استقبل رجالهُ الملكَ المُؤسّس عبدالله الأول، والتفّوا حوله ومعه لتحقيق الحلم العربي في نصرة أهل سوريا ضد المستعمر الفرنسي آنذاك، وجعلوا من بيوتهم مأوى للمناضلين العرب، وساندوهم بكل ما أُوتوا من وسيلة وقدرة؛ سعياً لتحريرها ونصرةً لأهلها وترابها العروبي.
الأردن الذي لبّى أبناؤه -كل أبنائه- نداء الواجب نصرةً لفلسطين ضد المستعمر، غير أبهين بترسانة العصابات الاسرائيلية والمساندة البريطانية آنذاك، فما أدخِلوا حسابات الربح والخسارة في فزعتهم؛ ليرتقوا شهداء على أراضيها، وليكون الدم الأردني أول من روى ثراها الطهور يُخضّبَ تراب (تلال الثعالب) رفضاً للاستيطان الاسرائيلي.
الأردن الذي بنى جيشه ليكون العربي الذائد عن حياض العروبة وديار الإسلام منذ تشكيلته الأولى، مستنداً إلى نصرة المظلوم ودفع العاديات أنىّ وُجِدت، جيش ظلَّ على الدوام مُخلِصاً لقضايا أمتهِ مُستبسِلاً في الدفاع عنها، حاملاً للسلاح في وجه كل معتدٍ أثيم، الجيش الذي جُبِلَ تراب فلسطين بدماء جنوده وضباطه وأضرحتهم تروي قصصاً من التضحية والبطولة التي عزَّ نظيرها؛ ففي كل فلسطين حكاية لجيشه العربي فيها من الصمود ما فيها وسجلاً من الكرِ والفخر.
الجيش العربي رسول الحق، وحليف المستغيث، وفزعة الملهوف، وسند الضعيف، وملاذ الخائفين، تشهدُ له بلاد العرب بهضابها وأنهارها أنه الأوفى والأسمى هدفاً،
أنه أول المُقبلين الذي ما ولّى الأدبار، أو إستباح أرضاً أو عرضاً؛ فظلَّ نبيلاً شريفاً غايته النصر أو الشهادة.
الأردن الذي صَنَعَ جيشهُ نصراً مؤزراً على عدو غاشم اعترته شهوة التوسع في يوم الكرامة الخالدة يوم تساوت فيه الحياة بالموت عند نفوس نشامى جيشه العربي، فتاقت أنفسهم إلى دحر هذا العدو وإطفاء زهوته ولجم غطرستهِ؛ ليبقى ثرى الأردن طاهراً حرا منيعاً لا يسكنه إلا الأحرار الموفون بعهدهم.
الأردن الذي شرّع حدودهُ لكُلِّ عربي أصابه حيف أو طالته شدّة ليكون الملجأ والمأوى الكريم الحميم؛فتقاسم مع الأشقاء ما جادت به أرضه رغم خصاصة حاله وضيق ذات يده؛ ليعيشوا في ظلّه بأمن وسلام وكرامة وحرية بلا قيد ولا شرط حالهم حال الأردنيين وفاءً لعروبته التي تأسس عليها، والتزاماً بنهجه الذي تأسس عليه حكمه المستند إلى ثلاثية الحق والعدل والرحمة، الموصولة بشرعية الإسلام منذ رسولنا الكريم -عليه أفضل الصلاة والسلام- وشرعية التاريخ المرتبطة بقريش سادة الحكم العربي.
اليوم وبعد مائة عام ونيف من الوفاء للعروبة والانحياز للحق والإنسانية، ها هو الأردن الوطن الإنموذج في حكمه ومسيرته يسير بعون الله ومع عبد الله محافظا على وطن الكرامة لتبقى حصنها المنيع.