facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الطوبة .. قصر الحاكم القتيل


عبدالرحيم العرجان
23-03-2025 11:47 AM

قصر يتوارى بوادي الغدف لم يكتمل بناؤه للخليفة الأموي أبو العباس الوليد بن يزيد بن عبدالملك بن مروان القرشي، الذي اختلف المؤرخون في سيرته ومناقبه.

المدخنة منارة الطريق

من الطريق الصحراوي اتجهنا شرقًا نحو مقصدنا قصر الطوبة، مسترشدين بغمام ما تنفثه مدخنة مصنع العطارات لتوليد الطاقة الكهربائية من الصخر الزيتي. وهو استثمار دولي استوني ماليزي تقوده التحالف الصين لإنتاج ما يقارب 15% من إجمالي احتياج الطاقة الكهربائية للمملكة، مدفوعة الثمن على مدى 40 عامًا، لا نملك من أصوله دينارًا واحدًا، بموقع عطارات أم الغدران، المسمى نسبةً لكثافة النباتات العطرية وغدران الماء هناك.

قذائف المنجنيق

ومن مفترق الطريق الأسفلتي الترابي، بدأ مسارنا شمالًا نحو القصر دون أي علامة أو لافتة تشير إلى موقعه المتواري بوادي الغدف الممتد شمالًا نحو الأزرق، بمستوى ثابت دون أي تغيير في الارتفاع أو عوائق في المسير. فسرها لنا الخبير الجيولوجي خالد المومني: “تكوين أم رجام (إيوسين) واسع الانتشار في هذه المنطقة فوق تكوين الموقر الطباشيري، ويتألف من الطباشير والصوان والحجر الجيري الطباشيري والحجر الجيري والطباشير الحاوي على طبقات رقيقة من الصوان”.

وما كان يلفت انتباهنا هناك كثرة الكرات الصخرية المتناثرة في قلب الوادي وعلى جنباته، وقال عنها المومني بأنها “عقد جيرية ترسبت في بيئة بحرية عميقة لها نواة داخلية قد تكون أحفورة تراكم عليها الكلس عبر الزمان”. استخدمت في عصور ما قبل اختراع البارود كمقذوفات للمنجنيق لصلابتها واكتمال دائريتها، وهو ما يُشاهد من بقاياها في أروقة قلعة عجلون والشوبك والكرك. أما في وقتنا الحاضر، فتستخدم في الحدائق كديكور متمم بين النباتات المنزلية لغايات الزينة.

القصر غير المكتمل

وبين انحناءات وادي الغدف، ظهر لنا القصر المهيب بأروقتة العالية وعقوده البرميلية الضخمة، حسن اختيار موقعه المتماشي بمبدأ الإظهار والإخفاء. فأنت لا تشاهده إلا إذا اقتربت منه، وهو واحد من أهم مبادئ العمارة الدفاعية لتضليل الأعداء عن الموقع، ولون بنائه أيضًا من لون الطبيعة، خصوصًا أن القصر بُني لأغراض شخصية وبعيدًا عن طرق القوافل ومسالك التجارة. استوقفنا مشهده لالتقاط صور جميلة مع الفضاء المفتوح، إلا من الجبل الشرقي الذي كان يشكل مصدًا طبيعيًا للرياح الباردة في فصل الشتاء.

دخلنا القصر من بين أطلال جداره الجنوبي الضخم إلى أجنحته الأربعة الرئيسية عبر أبواب تشعرك بالهيبة، لعلوها وجدران تصل سماكة بعضها للمتر ونصف. اعتلاها سقوف برميلية نصف دائرية، وضوء يتخلل الأروقة ينسل من نوافذ صغيرة مرتفعة في قمة الجدران. تحار أين تنظر في هذا حرم الجمال المعماري الفريد المشابه تمامًا لقصر المشتى قرب عمان.

وللقصر ساحة رئيسية وثلاثة باحات، ينفذ إليها عبر بوابتين، اعتلى أسوارها 14 برجًا نصف دائرية تشرف على المسالك والفضاء الخارجي. جميع الغرف البالغة 28 غرفة تقع ضمن مساحة عشرة دونمات ونيف 140 × 72 مترًا. تم بناؤه من الطوب المشوي لوجود مرامل المارل بالمحيط. ولضمان عدم تأثر البناء بالرطوبة والعوامل الجوية، صُممت الجدران بقواعد من الحجر بمعدل من 7 إلى 11 مدماكًا، لتضيف ميزة الثبات والمتانة للبناء التاريخي. استخدم لذلك أحدق المعماريين وأمهر الحرفيين ممن قدموا من القبائل من أرض الرافدين، فنقلوا التجربة وأضافوا لإرثنا الوطني ما يتوجب ترميمه والمحافظة عليه من المواطن قبل الدولة. وبالقرب من القصر، كشفت تنقيبات دائرة الآثار العامة عن عدة مدافن بيزنطية تزامنت مع فترة عمارة القصر. يعتقد أنها لحرفيين من أتباع الدين المسيحي توفوا أثناء فترة البناء.

الماء سر الحياة

وخارج أسوار القصر زرنا ثلاثة آبار تجميعية “مشاش” كما تسمى بالعامية، نقبت بعمق 30 مترًا.

استخدمت مياهها لتحضير عجينة لبن البناء، وما زالت تُستخدم حتى اليوم لسقاية المواشي والإبل، لكنها تتطلب الحذر، إذ لا تتجاوز خرزتها المحيطة ثلاثة أرباع المتر. وليس بعيدًا عنها، يوجد سدان للمياه، إلا أنه مع تغير المناخ ونتيجة الاحتباس الحراري، تغيرت طبيعة الحياة الفطرية في الوادي، فجفت الأشجار وقلت النباتات البرية، حسب روايات الأهالي وتدوينات الرحالة النمساوي لويس موزيل عام 1898م، أستاذ اللاهوت في جامعة بالاسكي، وشارل براغ، الذي أغرم بالقصور الأموية والإرث الإسلامي في بلاد الشام والجزيرة العربية.

وعند البئر الثالث، انتصف مسارنا، فكانت استراحتنا هناك، حيث جلسنا تحت ظلال أشجار البطم، نحتسي القهوة وننعم بساعة من الهدوء وسط هذا الجمال الطبيعي الساحر.

الخليفة القتيل

إلى جانب قصر الطوبة، بنى الخليفة الوليد بن يزيد قصر عمرة المعروف بجدرانياته الفريدة، والمخصص لجاريته شهدة، رغم أنه كان هائمًا بزوجته الثالثة سلمى بنت سعيد.

كما بنى قصر المشتى عام 744م، الذي تعد واجهاته الموجودة في متحف برغامون الألماني أيقونة عالمية في فن الزخرفة والتوريقات الإسلامية.

كان الخليفة معروفًا بذوقه الرفيع ورغبته في الإقامة بين عشائر البادية، إلا أن فترة حكمه لم تدم سوى 15 شهرًا فقط، إذ قُتل غدرًا بتآمر أبناء عمومته المروانيين عليه. دفعوا لمن يقطع رأسه 100 ألف دينار ذهبي، أي ما يعادل 25 مليون دولار حاليًا.

فنالها محتزّ رقبته وخائنه أبو علاقة القضاعي، الذي طاف برأسه معلقًا على رمح في شوارع دمشق، عاصمة الخلافة الإسلامية، بعد أن نُكّل بجثته وقُطعت يده، وأُرسلت إلى ابن عمه يزيد، الذي فرح قائلًا: “سبقت اليد الرأس!”، ووهب عطايا الجريمة للعشرة الذين اجتمعوا عليه.

اختلفت الروايات حول سيرته وسنه عند مقتله، لكنه بقي أحد أكثر الخلفاء إثارة للجدل في التاريخ الإسلامي.

ختام المسار

أنهينا مسيرنا الاستجمامي السهل، الذي امتد بطول 18 كلم، مسترشدين في طريق العودة أيضًا بمدخنة المصنع وسحابة دخانه الحامضي، تاركين خلفنا قصرًا لم يكتمل، وحكاية خليفة لم يمهله الزمن ليحقق حُلمه.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :