سوريا تنهض .. وإسرائيل تتآمر!
د.أحمد بطاح
23-03-2025 01:12 AM
ليس من قبيل المبالغة أن نقول إن سوريا تنهض من جديد بعد أن انتصرت انتصاراً مدهشاً على النظام السابق، فها هي تحافظ على وحدتها بعد الاتفاق التاريخي مع «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)»، الأمر الذي يعني استرجاع (25%) من الجغرافيا السورية بكل ما تحويه من نفط وغاز وأراضٍ زراعية، وها هي تتوافق مع الموحدين «الدروز» (بغض النظر عن الزيارة الأخيرة التي قام بها بعض رجال الدين إلى إسرائيل) في السويداء مُفشلةً خطة إسرائيل مُعلنَة لاستقطاب الدروز وتأليبهم ضد دولتهم وشعبهم، وها هي تنهي أحداث الساحل المؤسفة مُوضحةً أنها قوية ?ما فيه الكفاية لكي تسيطر على الوضع، ومبينةً كذلك أنها لا تسمح بأية تجاوزات وانتهاكات لأيّ مكون من مكونات الشعب السوري، وقد تجلى كل ذلك في تشكيل لجنة تحقيق لتقصي أسباب «الأحداث» وما جرى خلالها، بل وأكثر من ذلك تكليف لجنة لتكريس السلم الأهلي ومداواة الجراح، وقد تكلل ذلك كله بالتصديق على الإعلان الدستوري الذي سوف يكون المرجعية القانونية إلى حين إقرار الدستور الدائم والاستفتاء عليه، الأمر الذي سوف يعقبه تشكيل مجلس شعب مؤقت يقوم بمهمة التشريع، وحكومة انتقالية ممثلة لكل أطياف الشعب السوري وإلى حين إجراء انتخابات عامة ونزيهة (بعد خمس سنوات) تُفرز مجلس شعب مُنتخب ورئيس منتخب.
ولعلّ من حسن حظ الشعب السوري أن دول العالم قد توافقت على سيادة سوريا ووحدة أراضيها، فقد عبرت عن ذلك دول الإقليم المجاورة لسوريا (الأردن، العراق، لبنان، تركيا) في اجتماعها الأخير في عمان، كما عبرت عنها دول العالم بما في ذلك الدول الكبرى (الولايات المتحدة، روسيا)، حيث توضّح ذلك في قرار مجلس الأمن الأخير (14/3/20025) الذي أكد على سيادة الدولة السورية ووحدة أراضيها.
وإذا كانت سوريا تنهض رويداً رويداً ولكن بثبات وثقة فإن إسرائيل لا تفتأ تتآمر عليها (على سوريا) إذْ بادرت بعد سقوط النظام (الذي لم يطلق عليها برغم احتلالها للجولان ولمدة 50 سنة طلقة واحدة واكتفى «بالرد» الذي لم يأتِ في الزمان والمكان المناسبين!)، إلى الإعلان عن عدم الاعتراف باتفاقية فك الاشتباك المعقودة عام 1974 بينها وبين سوريا، كما قامت بالسيطرة على المنطقة «منزوعة السلاح» بما في ذلك أعالي جبل الشيخ معلنةً أنها سوف تعمل على توسيع هذه المنطقة لتشمل ثلاث محافظات جنوبية سورية (القنيطرة، درعا، السويداء). ويجب ألا ننسى بالطبع أنها دمرت في هجمات زادت عن (500) هجمة معظم مقدرات الجيش السوري السابق: البرية، والجوية، والبحرية.
والواقع أن إسرائيل تضع القيادة السورية الجديدة أمام معضلة حقيقية فهي «تتحرش» و"تستفز» سوريا كل يوم وسوريا في أوضاعها الحالية لا تستطيع الرد عسكرياً، الأمر الذي يظهرها بمظهر العاجز الذي لا يستطيع الدفاع عن ارض الوطن.
إنّ إسرائيل -ومنذ نشأتها- قد اعتمدت على محاولة تمزيق الكيانات المحيطة بها واللعب على عوامل الانفصال والتقسيم بين الدول العربية لكي تخلق كيانات ضعيفة «تستأسد» هي من بينها وتظل القوة الإقليمية المهيمنة: هكذا فعلت في العراق حيث كانت دائماً مع الأكراد ضد الحكومة المركزية، وهكذا كانت في لبنان مع القوى الانفصالية والانعزالية، وهكذا هي الآن مع من تعتقد أنهم قد يكونون راغبين في مساعدتها كالدروز في السويداء مثلاً، وغني عن القول إن إسرائيل قد فشلت حتى الآن في سوريا فشلاً ذريعاً فأحداث الساحل السوري لم تفلح في فرز أي? كيان انفصاليِ، و"قسد» رأت أن مصلحة الأكراد هي مع الدولة السورية، وكذلك فعل الموحدون (الدروز) في السويداء.
هل ينتهي التآمر الإسرائيلي على سوريا هنا؟ بالطبع لا فهي تحرّض الولايات المتحدة على عدم الانسحاب من سوريا بحجة مساعدة الأكراد وللقضاء على بقايا «تنظيم الدولة»، وهي تتواصل مع روسيا لكي تُبقي على قاعدتيها (البحرية في طرطوس، والجوية في حميميم) للتقليل من النفوذ التركي في سوريا، وهي تعمل كل ما في وسعها لإعاقة عملية رفع العقوبات الأميركية عن سوريا وبالذات «قانون قيصر» مستغلةً في ذلك قوة الضغط التي لديها في الداخل الأميركي.
ما الذي سوف يحدث مستقبلاً؟ مع أن من الصعوبة بمكان التخمين في ضوء الاعتبارات والعوامل الموضوعية المؤثرة والمتداخلة فيما يتعلق بهذا الوضع بين سوريا وإسرائيلّ فإنّ من المرجح أن سوريا سوف تستمر في النهوض بحكم أن هذه هي إرادة شعبها، وتوجه قيادتها التي أدركت (برغم خلفيتها السلفية الجهادية) أنها لا تستطيع بناء دولة عصرية بدون سيادة القانون وتفعيل المؤسسات ولصالح جميع أبناء الشعب، وأمّا إسرائيل فلا يُستبعد أنها سوف تظل تتآمر على سوريا لكونها دولة مُهمة ومُلهمة لمحيطها إذا ما نجحت، ولأنّ هدف إسرائيل في النهاية هو الحفاظ على وضعيتها كدوله تتفوق (نوعياً) على جميع الدول المحيطة بها وهو ما تؤيده السياسة الغربية وبخاصة الأمريكية بشكل عام، وإزاء هذا الوضع فليس أمام القيادة السورية إلا أن تواصل بناء نفسها واستعاده دورها وفي نفس الوقت الانحناء للعاصفة الإسرائيلية بانتظار تغيّر الظروف والاحوال والتي من شبه المؤكد أنها سوف تكون لصالح سوريا والسوريين، وإن غداً لناظره قريب.
الرأي