رغم كل شيء تبقى جلسة الاثنين محطّة مضيئة في تاريخ مجلس النواب، فلأول مرّة يخضع رئيس حكومة عامل لجلسة اتهام كانت من أقسى ما يمكن أن تواجهه أي حكومة وكانت الأعصاب مشدودة بقوّة بانتظار نتيجة لم يكن أحد يستطيع الجزم بشأنها.
كان أمام المجلس الذي يجتمع على شكل هيئة ادّعاء عام ليقرر أن يتهم أو لا يتهم وفق ما أوصت به اللجنة لكل واحد من المعنيين، ولم يكن هناك أي تهم بفساد مالي بل كانت التهم ذات طابع إجرائي وإداري، ونال الحكومة أقسى نقد بسبب هذا الأداء، لكن كان هناك إجماع في القناعات على أن الرئيس ليس فاسدا ولم يدخل جيبه أي مال من هذه القضية أو غيرها. وقد نشأ أول خلاف إجرائي حول حق رئيس الوزراء في الحديث، ورجّح رئيس مجلس النواب هذا الحق سندا لاجتهاد أيده أبرز القانونيين في المجلس، إضافة لمرجع قانوني ودستوري هو الأستاذ طاهر حكمت.
وحسم الرئيس الخلاف الثاني حول تراتب التصويت بالانحياز للترتيب الذي وضعته لجنة التحقيق نفسها، أي وزير السياحة أولا ثم رئيس الوزراء ثم وزير الشؤون القانونية، كل على انفراد ثم بقية الوزراء والمسؤولين في مجموعة أخيرة وفق الخصوصية والتهم المسندة لكل منهم.
على ذلك مضت الجلسة في التصويت الأول على وزير السياحة الأسبق الذي رجح قرار اتهامه بأغلبية فاقت حدّ الثلثين الضروري للاتهام، ثم على رئيس الوزراء الذي ساند اتهامه فقط 50 نائبا، ولم يكد يبدأ التصويت على المتهم الثالث حتى بدأ الصخب والاحتجاج في الشرفات من أنصار بعض المتهمين ليمتدّ إلى النواب وينتهي بوقف الجلسة.
على مدار اليومين التاليين دار جدل صاخب في مجلس النواب وعبر وسائل الإعلام. ومن حق من لم يعجبه التصويت أن يغضب ويحتج، ولكن إعاقة استمرار الجلسة والتشكيك بقانونيتها ورفض نتائجها ليس صحيحا أبدا. ويتم تقديم المبررات والحجج بطريقة تؤدي إلى نتيجة واحدة لغير صالح المحتجين، وهي أن القضية سياسية مبيتة مشروعها البطش برئيس الوزراء، وحالما لم ينجح مشروع إدانة الرئيس لم يعد القوم معنيين بالمسار القانوني القضائي، اذ لم يتحقق هذا الهدف. فقد ذهب أول ضحية ولم يكن هو المقصود بالأمر، والآن يجب إلغاء كل ما حصل، فإمّا الإطاحة بالرئيس أو صرف النظر عن القضية كلها. وكان هذا لسان حال من قالوا إن ما حصل ليس عادلا وإن الادانة يجب أن تكون للجميع معا أو لا تكون! ومن الطريف أن اصطفافا جديدا قد نشأ على هذه القاعدة، يضم أناسا صوّتوا بطرق مختلفة، وأصبح يحشد حججا لا صلة لها ببعضها ولا تقوم على أي أساس قانوني ونتيجتها رفض عملية التصويت التي شارك المحتجون على التوالي بها. ويمكن أن نسأل هل لو حاز التصويت باتهام الرئيس على الثلثين كان سيحدث هذا التحرك المناهض والرافض لمسار الجلسة؟!
لندع السياسة جانبا ونتحدث قانونيا وإجرائيا. لقد صوت كل نائب بقناعته وليس معقولا أبدا ربط مشروعية التصويت بنتائجه!
الغد