facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




من جامعة مستقلة إلى مؤسسة مقيدة: كيف خسرنا النموذج؟


د. هاني الضمور
22-03-2025 01:24 PM

حين أُنشئت الجامعة الأردنية في ستينات القرن الماضي، لم تكن مجرد مؤسسة تعليمية بل مشروعًا وطنيًا بامتياز، القانون الذي صدر لإنشائها عام 1962 كان واضحًا في رؤيته؛ فقد منح الجامعة استقلالًا كاملًا في شؤونها الأكاديمية والإدارية والمالية، دون تدخل من السلطات التنفيذية، كانت الجامعة تُدير برامجها وتُعين قياداتها وتُقرر موازناتها ضمن إطار داخلي خالص، وكانت مجالسها هي صاحبة القرار، لا جهة خارجية تُملي أو تراقب.

هذا النموذج الذي بدأ به التعليم العالي الرسمي في الأردن كان واعدًا، بل متقدمًا على كثير من دول المنطقة، لأنه أدرك أن الجامعة لا يمكن أن تنتج فكرًا أو تقود نهضة ما لم تكن مستقلة تمامًا، الاستقلالية لم تكن آنذاك مطلبًا نخبويًا، بل كانت الأساس الذي بُنيت عليه المؤسسة.

لكن المفارقة أن ما بدأ بقانون متقدم انتهى إلى منظومة معاكسة. اليوم، تُقيَّد الجامعات الرسمية بقيود إدارية وتنظيمية تحول دون أي استقلال حقيقي. فالرئيس يُعيَّن بقرار مركزي، ويُقيَّم بقرار مركزي، وتُحدَّد الرسوم وسياسات القبول والتخصصات وحتى البرامج الأكاديمية من خارج المؤسسة. المفارقة الأكبر أن يُصدر مجلس التعليم العالي مؤخرًا قرارًا بتقييم رؤساء الجامعات، في ممارسة لا تشبه ما يجري في الجامعات الرصينة حول العالم. فالتقييم في النظم الحديثة لا يأتي من السلطة، بل من الحوكمة الداخلية التي تمكّن المجالس الأكاديمية من تقييم أدائها الذاتي بشفافية ومهنية، لا بمذكرات مركزية وقرارات فوقية.

كيف ننتظر من رئيس جامعة أن يُبدع، وهو محكوم بسقف إداري ضيق، وموارد مالية محدودة، وقرارات استراتيجية لا يملك زمامها؟ كيف نحاسبه على نتائج لم يكن هو من رسم أدواتها؟ هذه أسئلة لا تتعلق بشخص، بل ببنية مؤسسية كاملة تحتاج إلى إعادة صياغة.

وما يزيد الوضع سوءًا، أن الجامعات الرسمية تعتمد بشكل مفرط على الرسوم الدراسية كمصدر دخل أساسي، إذ تشير البيانات إلى أن أكثر من 90% من إيرادات بعض الجامعات تأتي من الطلبة، في ظل تراجع التمويل الحكومي واستمرار العجز التراكمي، وهذا يضعف الجامعة كمؤسسة عامة ويحوّلها إلى مزود خدمة، لا حاضنة علم وفكر.

أمام هذا المشهد، تبدو العودة إلى البدايات أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. ليس nostalgically، بل لأن ما طُبّق في بدايات الستينات كان منسجمًا مع المنطق الأكاديمي السليم، فالدولة التي كانت تملك أدوات السلطة المطلقة اختارت أن تمنح الجامعة استقلالها، فلماذا اليوم، في زمن الشفافية والحوكمة، نعود إلى الوراء؟

الحل ليس في تقييم الرؤساء، بل في تحريرهم. وليس في فرض مزيد من الضوابط، بل في تمكين المؤسسات من إدارة نفسها، ومساءلتها على أساس أدائها الفعلي لا تبعيتها. التعليم العالي لا يُقوّم بالمذكرات بل بالثقة. والجامعة لا تُدار كمديرية، بل كمؤسسة فكرية مستقلة.

إذا أردنا أن نستعيد دور الجامعة الحقيقي، فعلينا أولًا أن نعيد لها ما بدأنا به: استقلالها.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :