الذهب فقاعة المُضاربة والمُخاطرة
د . خالد الوزني
22-03-2025 01:04 PM
ما يحدث في سوق الذهب، وكذلك في سوق الأصول المالية المُشفَّرة المُسمّاة «العملات المُشَفَّرة» هي، من وجهة نظري، مضاربات فوائض أموال ونفير أموال ساخنة، وليست تطوُّرات طبيعية ذات صلة بقوى السوق، أو بقواعد الاقتصاد النظرية أو التطبيقية. فقد شهدت أسعار الذهب ارتفاعًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة، حيث تجاوز سعر الأونصة حاجز 3000 دولار لأوَّل مرة في التاريخ، يعود هذا الارتفاع إلى أربعة عوامل رئيسية يتعلَّق أولها بالأوضاع الجيوسياسية في منطقتنا وفي الحالة الأوكرانية.
ويتعلَّق العامل الثاني بالتطورات في السياسات التجارية «الترامبية» ، التي أصدرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي كان آخرها فرض رسومٍ جمركيَّةٍ جديدةٍ على واردات الصلب والألمنيوم، مع تهديدات بفرض رسوم إضافية على سلع أخرى. هذه السياسات أثارت مخاوفَ مِن تصاعد الحروب التجارية وتأثيرها السلبي في الاقتصاد العالمي، ما زاد من جاذبية الذهب كملاذٍ آمنٍ بعيدٍ عن حلبة النزال بين الدولار أو العملات الرئيسة الأخرى.
ويأتي العامل الثالث جرّاء معطيات السياسة النقدية التي تتجه نحو تخفيضين اثنين لأسعار الفائدة خلال العام 2025، حسب تصريحات البنك الفيدرالي الأمريكي، وهو ما جعل الذهب والأصول المالية المُشفَّرة ملاذاً للهروب من أثر ذلك في معدلات التضخم، وبالتالي في القوة الشرائية للعملات، بما فيها الدولار.
وأخيراً وليس آخراً، يتمثَّل العامل الرابع في توجُّه العديد من البنوك المركزية، خاصة في الدول ذات الاحتياطيات الكبيرة من الدولار مثل الصين، إلى زيادة احتياطياتها من الذهب كوسيلة لتنويع الأصول وحماية اقتصاداتها من تقلبات العملات. كلُّ ما سبق من عوامل تُعَدُّ حقائق لسوق مضاربات على الذهب، وهي حقائق لصمود وقتي، لا يمكن التكهُّن بمدته، وليست حقائق لعوامل اقتصادية رصينة.
مشكلة المضاربات أنَّ لها إطاراً زمنياً تنحني بعده إلى الخلف، وأنَّ تلك الانحناءة لا تُعطي إنذاراً مبكراً بقدر ما تفاجئ المتعاملين. الذهب اليوم هو مخزن للقيم أكثر منه كمعدن لغايات الاستثمار أو الاستخدام، وهو فرصة اقتناص عوائد للمضاربين الكبار، أكثر منه كسوق حقيقيٍّ متطوِّر.
الذهب لن يعود عملةً أو قاعدة للعملات. الحقائق على الأرض تقول إنَّ هناك مراكز كبيرة من الأموال الساخنة التي تبحث عن فرص للدخول والخروج السريع، أو الهروب السريع بعد حصد العوائد. المشكلة في توجُّه العديد، ممَّن ليسوا من شرائح المستثمرين أو المضاربين، نحو امتلاك الذهب طمعاً في المزيد من العوائد مستقبلاً، هؤلاء سيكونون الأكثر تأثُّراً بالخسائر المستقبلية لتصحيح الأسواق، وهروب الأموال الساخنة نحو أصول أخرى. النصيحة الوحيدة لهؤلاء هي عدم الدخول إلى هذا السوق، وشراء الذهب، بالنسبة إليهم، يجب أن يقتصر على الحاجة إليه في الاستخدامات المجتمعية المعروفة. المضاربة لمن لا يقدر عليها هي مجازفة غير مأمونة المخاطر. لِنَدَعِ الذَّهبَ لمن يحتاج إليه من البنوك المركزية لغايات بناء الاحتياطيات والتحوُّط الأمني ضد صراع العملات والسياسة، أمّا الأفراد والمضاربين الهواة فخروجهم اليوم أفضل بكثير من مخاطر المستقبل. والمضاربة بما يُسمّى «العملات المُشَفَّرة» لا تقلُّ عن ذلك خطورة، وقد تناولت ذلك في مقال سابق.
khwazani@gmail.com
* أستاذ الاقتصاد والسياسات العامة كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية