محاكمة الكازينو .. صورة مشرقة رغم الاختلاف
محمد حسن التل
30-06-2011 03:44 AM
من ناحية المبدأ، فإن فكرة وجود كازينو على أرض الأردن، مرفوضة دينياً وأخلاقياً واجتماعياً، فهي لا تمس فقط عقيدتنا، بل تقاليدنا التي ورثناها عبر العقود والقرون، وهي اعتداء على حرمات الله. والفجيعة الكبرى أن الكازينو كان سيقام في منطقة الأحرى لنا أن نشحنها بالرجال والسلاح، بدل شحنها بلاعبي القمار وبنات الهوى.
لقد كان ما جرى، يوم الاثنين الفائت، في مجلس النواب -بغض النظر عن الاختلاف عن النتيجة حيث اتَُهِم من اتَُهم وبُرِّىء من بُرِّىء فهذا شأن النواب الذين يمثلون الإرادة الشعبية- ماراثوناً ديمقراطياً بحق، عكس الصورة المشرقة للديمقراطية الأردنية أمام العالم، فان محاكمة رئيس وزراء عامل بحجم الدكتور معروف البخيت، ست ساعات أمام نواب الشعب، أمر ليس بالسهل، وهو إنجاز أردني متقدم، من ناحية الشكل والمضمون، على طريق الديمقراطية والإصلاح.
لقد مارس النواب، دورهم الدستوري والقانوني، ومن منطلق تمثيلهم لقواعدهم الشعبية، وبغض النظر عن النتيجة، كان الوطن هو الفائز، ولا يجوز اتهام النواب، الذين أدانوا الرئيس، بأنهم كانوا يمارسون أحقاداً أو تصفية حسابات، ولا يجوز في المقابل، اتهام من لم يدن الرئيس منهم، بأنهم أخلّوا بواجباتهم الوطنية، فهذه لعبة الديمقراطية، يمارس كل واحد فيها قناعاته، دون قيد أو شرط.
منذ مساء الاثنين الماضي، نشأ تأريخ أردني جديد، فلن يجرؤ بعد هذا التاريخ، أي مسؤول، مهما كان، أن يفكر بأن يتخذ قراره على هواه، دون التفكير بالمصلحة الوطنية، فالرقابة الشعبية، باتت حاضرة بقوة، في ذهن أصحاب القرار، ولن يعرَض عاقل منهم، نفسه لموقف يماثل موقف الاثنين المشهود. فالمواطن الأردني، لم يعد يقرأ الأخبار ويمشي عنها، بل صار يمحِّص بها جيداً، ويدقق بأصغر تفاصيلها، ويحسب الأمور جيداً، ليحاسب كل من يعبث بالمال العام، ولن يستطيع أحد، بعد اليوم، أن يوقَع قراراته وبريده، في غرفة نومه، أو على طاولة الطعام!.
إننا نتوجه إلى السادة النواب، الذين أعلنوا عن مقاطعتهم جلسات مجلس النواب، أو أولئك المحترمين، الذين قدموا استقالاتهم، أن يعودوا عن قراراتهم، من أجل المصلحة العامة، حتى يشاركوا في المسيرة التشريعية، التي يراد منها إصلاح حقيقي، يحمي مصلحة هذا البلد والأجيال القادمة، من أي عبث، والوضع اليوم لا يحتمل تسجيل مواقف ويجب أن نغلِّب المصلحة الوطنية، على كل أمر في هذا الظرف الدقيق، الذي تمر به البلاد، فنحن على منعطف خطير، فإما أن نحافظ على الانجاز ونبني عليه، أو -لا سمح الله- ينهار كل شيء، فنحن في بلد، حباه الله بنعمة الاستقرار، ولديه قواعد حقيقية لدولة حضارية.
نحن في هذا الوقت، لا نبدأ من الصفر، في موضوع البناء الديمقراطي الحضاري، بل نضيف مداميك جديدة على هذا البناء، ففي الوقت الذي كان رئيس وزرائنا يحاكم أمام مجلس النواب، كان الرصاص ينطلق ضد المتظاهرين سلمياً، في عدد من العواصم العربية، وهذه مقارنة، يجب أن نقف عندها طويلاً.
لا يستطيع أحد، أن ينكر، أن أعضاء مجلس النواب، يقعون تحت ضغط شعبيى كبير، نتيجة الضخ الإعلامي منذ شهور، سواء المحلي أو الإقليمي أو الدولي، حول كثير من القضايا، والذي جعل الاستنتاجات تتطاير في كل اتجاه، والكثير منها غير مستند إلى وقائع حقيقية، الأمر الذي حمَّل النواب عبئاً إضافياً.
ان مجلس النواب، مارس يوم الاثنين الماضي واجبه الدستوري والقانوني، بشكل حضاري مميز، على مستوى الرئاسة والأعضاء. لقد كان بإمكان رئيس مجلس النواب فيصل الفايز، أن يستمر في الجلسة، بعد انسحاب عدد من النواب، حيث لم تفقد الجلسة نصابها القانوني، ولكنه أبى، إلا أن يرفع الجلسة، وهذا يؤشر على حسٍّ وطني كبير، وحتى لا يقال، أن القضية مرت في مجلس النواب بطريقة المواربة.
إن رئيس الوزراء معروف البخيت، عندما تقدم كرئيس حكومة بملفات فساد كبيرة، يدور حولها لغط وطني كبير، عليه أن يدرك أنه يخوض معركة، مع مراكز قوى متعددة، أو بالأحرى عشّ دبابير، فهذه القضايا لها سدنتها، والمدافعون عن مصالحهم الشخصية.
إننا نطالبه، بعد أن قدم نموذجاً لرجل الدولة الواثق بنفسه، المتسلح بنظافة سجله الوظيفي، الاستمرار في هذا النهج الوطني، وأن يؤكد للناس، أن اختيار جلالة الملك لشخص رئيس الوزراء، لا يأتي من فراغ، فجلالته يعرف كيف يختار الرجال، الذين يواجهون الصعاب الكبرى، من أجل القضايا الوطنية، التي تمس الحاضر والمستقبل.
إننا ننحني إجلالاً لنوابنا، الذين ضربوا أروع المُثل، في العملية الديمقراطية، وللجنة التحقيق النيابية، في ملف الكازينو، التي بذلت جهوداً كبيرة وجبارة، غاية في الدقة، للوصول إلى ما وصلت إليه، ولا أحد يستطيع أن ينكر، هذا الجهد المحترف. لقد عكست الخطوات النيابية، هذا الأسبوع، نية الأردن الحقيقية، في مسيرة البناء الديمقراطي الحر، الذي نسعى إليه جميعاً.
علينا اعتبار ما حدث، خطوة لا بد، من أن نبني عليها جميعاً، وأن نمضي في الطريق، الذي يريده شعبنا، دون تردد أو خوف، وأن نضرب على رؤوس الفاسدين، بقبضة حديدية، حماية للوطن والأجيال.
الدستور