المعارضة .. والخطاب الإعلامي العربي .. الصوت الذي لا يُسمَع ..
محمود الدباس - ابو الليث
22-03-2025 01:05 AM
حين يتحدث الإنسان ليُسمع.. عليه أن يدرك أن الصوت وحده.. لا يكفي.. فهناك فرق بين الضجيج.. وبين الكلام المؤثر.. بين الصراخ.. وبين الإقناع.. وبين أن تخاطب جمهورك الذي يعرفك مسبقاً.. وبين أن تصل إلى من لا يريد أن يسمعك.. وهذه هي معضلة المعارضة في أوطاننا.. والإعلام العربي في مخاطبته للغرب..
المعارضة الحقيقية.. ليست في سبّ المسؤول.. ولا في تشويه صورته.. بل في كشف الخلل.. بلغةٍ يفهمها من بيده القرار.. وليس بلسانٍ منفّرٍ.. يبعده عن الاستماع.. فما جدوى خطابٍ يعلم صاحبه مسبقاً.. أنه لن يُسمع.. إلا في أوساطه.. وبين مناصريه؟!.. وما فائدة كلماتٍ تُرددها الجماهير المغلقة على ذاتها.. دون أن تصل إلى صانع القرار؟!.. إن مَن يتبنى هذا الخطاب.. ليس مصلحاً.. بل هو شخص يسعى لإبقاء من حوله.. في دوائر السخط والصراخ.. دون أي تأثير حقيقي..
ولعل أخطر ما في الأمر.. أن بعض من يرفعون شعار المعارضة.. يعلمون تماماً.. أن خطابهم بهذه الكيفية لا يصل.. ولا يتم تم تقبُله اساساً.. ومع ذلك يستمرون فيه.. لأن غايتهم ليست الإصلاح.. ولا التغيير.. بل استبقاء جمهورهم مشحوناً بالصخب والغضب.. ليبقى يصفق لهم.. ويتناقل كلماتهم.. وكأنها الإنجاز بذاته.. فهم لا يسعون إلى إقناع صاحب القرار.. بل إلى إرضاء جمهورهم.. الذي يغذي وجودهم وشعبيتهم.. ولهذا.. تجدهم يكررون ذات العبارات المستهلكة.. والمصطلحات التهكمية.. ويرفعون سقف خطابهم.. بشكل لا يخدم إلا بقائهم في المشهد.. كأصوات عالية بلا تأثير..
وكذلك الإعلام العربي.. يتحدث عن القضايا الكبرى.. وكأنه يخاطب الغرب.. لكنه في الحقيقة.. لا يتجاوز حدوده الجغرافية.. يخاطب مَن هم مقتنعون أصلاً بطرحه.. يرفع الصوت.. يلهب المشاعر.. لكنه لا يصل إلى حيث يجب أن يصل.. لا يخاطب العقول التي تصنع القرار هناك.. بل يستمر في اجترار ذات العبارات.. التي لا يفهمها الآخرون.. وإن فهموها.. فهموها بوصفها خطاباً عاطفياً.. لا يُبنى عليه موقف.. ولا يُغير من سياسات..
القضية ليست في كثرة الكلمات.. ولا في شدّة العبارات.. بل في القدرة على التأثير والإقناع.. فكم من كلمةٍ رقيقة.. غيرت مجرى التاريخ.. وكم من صرخة مدوّية.. لم تترك أثراً.. إلا في حنجرة صاحبها..
إن من يريد أن يُسمَع.. يجب أن يحسن اختيار كلماته.. يجب أن يخاطب الآخر بمنطقه.. لا بمنطق جماهيره.. يجب أن يضع نفسه في عقل المسؤول.. لا في قلب المظلوم فقط.. فمن أراد أن يوصل رسالته إلى الغرب.. فعليه أن يخاطبهم بلغتهم.. لا أن يعوّل على استدرار عطفهم.. فهم قوم لا تحكمهم العواطف.. بل المصالح.. ومن أراد أن يصل إلى صاحب القرار في بلده.. فليأتِه بحقائق.. لا بشعارات.. وبأدلةٍ.. لا باتهامات.. وبحلولٍ.. لا بالصراخ..
"فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ"..
هذا هو القانون الإنساني في التواصل والتأثير.. إن كنت فظاً.. غليظ القلب.. لن يسمعك أحد.. وإن كنت حكيماً.. منطقياً.. تعرف كيف تخاطب كل طرف بما يناسبه.. وجدّت الآذان مصغية.. وإن لم تستجب لك اليوم.. ستجدها لاحقاً تفكر فيما قلت.. وهذا هو التأثير الحقيقي.. الذي لا يتوقف عند حدود الموجة الإعلامية.. أو الصخب الجماهيري.. بل يبني قناعات.. تُغيّر الواقع..