facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الوجه الآخر لمعركة الكرامة


سامح المحاريق
21-03-2025 03:54 PM

كان الشهيد وصفي التل هو الذي أطلق على عمان تسمية هانوي العرب، تيمنًا بحالة المقاومة الثورية في مدينة هانوي عاصمة فيتنام الشمالية، وأتت معركة الكرامة لتضع هذه المقولة حيز التنفيذ، حيث تحقق أول انتصار عسكري على الجانب الإسرائيلي ودحرت قوات العدو بمقاومة شرسة من الجيش الأردني والفدائيين الفلسطينيين في معركة الكرامة في 21 أذار 1968، إلا أن الواقع كان أكثر تعقيدًا والوضع كان مختلفًا عن حسابات رجل رومانسي يمتلك تاريخًا في العمل العسكري المسلح ضد العدو.

أعطى الانتصار شعورًا بالنشوة ليس للأردن والفدائيين الفلسطينيين وحدهم، بل أن عمان تحولت إلى قبلة إلى حركة عالمية واسعة تقاوم الإمبريالية والاستعمار القديم والجديد، فيصلها دينيز جيزميش التركي الذي المؤرق للأمن والاستقرار في بلاده، وبعده يأتي الشاب الفنزويلي إيليش راميرز سانشيز (كارلوس)، ويلحقهم الأديب الفرنسي جان جينيه، ولكن بقيت حقيقة مهمة غائبة، وهي أن أحدًا لن يتحمل تكلفة هانوي في عمان، والاتحاد السوفييتي الذي كان أول دولة تعلن الاعتراف بدولة إسرائيل بعد يومين من اندلاع حرب 1948 ينظر إلى هؤلاء القادمين بأحلامهم العريضة بوصفهم خوارج وحالمين وتحريفيين ومؤرقين، فالاتحاد السوفييتي لم يكن يومًا يستهدف وجود إسرائيل، حتى في فترات الانقطاع التي حدثت بعد حرب حزيران 1967.

قبل حرب حزيران، وفي أيام ساخنة من التاريخ العربي، توجه الملك الحسين إلى القاهرة ليوقع في نهاية أيار 1967 اتفاقية للدفاع المشترك مع القاهرة، وربما كان يدرك إلى حد بعيد أن أية أعمال عسكرية مصرية لن تكون منتجة، ولكن في أسوأ كوابيسه لم يكن يتخيل سيناريو الكارثة التي ستحدث بعدها بأيام قليلة، وحتى لو كانت متوقعة من قبله، فالأرجح أنه لم يكن ليتراجع عن الاتفاق مع مصر، وعن دخول الحرب بعد أن تدمير الطائرات المصرية في مرابضها والتفرد جويًا بالجيش المصري في سيناء واعتلاء هضبة الجولان الاستراتيجية التي تجعل إسرائيل اليد العليا في بلاد الشام، لم يكن التراجع خيارًا لأنه كان سيضعه في موقع اللوم، وحتى التخوين من العرب المختطفين في تنغيمات صوت أحمد سعيد المدوية من إذاعة صوت العربي.

تلقى الملك الحسين والجيش الأردني الإشادة والتقدير من جمال عبد الناصر في خطاب التنحي، ولكنه خسر نصف مملكته، الضفة الغربية كانت بالفعل نصف المملكة، اقتصاديًا وسكانيًا، فالرقعة الزراعية في الأردن ليست بالكبيرة، والضفة أرض خصبة تطل على الأغوار لتعود متكاملة مع المناطق الجبلية الخصبة في البلقاء وحوران، ولكن الدور الأردني في سياقه العربي لم يكن منتهيًا، فالجانب المصري سيطلق حرب الاستنزاف، والأردن سيستقبل اللاجئين بكثافة، مع انكفائهم للعمق المديني بعد أن كان تواجدهم على خطوط التماس في الضفة الغربية ومدنها ومخيماتها.

الموقف السوفييتي بعد الحرب أتى مخيبًا للآمال بعض الشيء، ولكن اضطر المصريون لتصديقه لعدم امتلاكهم خيارات أخرى تكتيكيًا، بينما كان الأردن يدرك أن اسرائيل غير قابلة للمساس وجوديًا في العقيدة السوفييتية التي لا يمكن أن تنفصل عن تسويات أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية.

السيطرة على ايقاع العمل الفدائي كان استراتيجية مارسها الملك الحسين، وأعلن أنه الفدائي الأول، وكان العمل الفدائي يتحرك ضمن التوافقات المصرية – الأردنية بالدرجة الأولى، فالواقع أن دول الطوق كانت تعيش كارثة اقتصادية وليست لديها القدرة على الانخراط في القتال من جديد، والمصريون ينتظرون التبرعات الخليجية التي أقرت في مؤتمر الخرطوم شهرًا بشهر، إلا أن ما حدث في الكرامة أدى إلى حالة من النشوة قلبت الموازين وأدت إلى اضطراب الحسابات، والعمل على تسخين الوضع ضد إسرائيل بصورة غير مسبوقة، وغير مقبولة في المعادلة العالمية التي كانت تبحث عن جني ثمار انتصار 1967 من خلال اتفاقية سلام شاملة، بحيث تصبح المسألة هي استعادة الأراضي المحتلة سنة 1967، بينما تصبح اسرائيل على أرض 1948 واقعًا لا يمكن تجاوزه لأنه شريك في ترتيبات الاستعادة المأمولة في ذلك الوقت.

كانت عمان وقتها تستضيف عشرات الضباط والأطباء المصريين الذين يشكلون عمقًا للفدائيين الفلسطينيين، وكان منهم محجوب عمر الشيوعي المصري العتيد الذي اتخذ موقفًا متحفظًا من بعض القوى المنفلتة والتي نظرت إلى نظام عبد الناصر بوصفه نظامًا رجعيًا، وأصرت على نجاعة الحل الفيتنامي، وتجاهلت حقائق موضوعية مثل الخط المفتوح من موسكو وبكين لدعم الثوار الفيتناميين، في الوقت الذي كان عبد الناصر يناشد السوفييت بتزويده بالدفاعات الجوية الضرورية، ويوسط هواري بومدين وغيره ليشرحوا الموقف المصري.

أخذت الأمور تتفاقم في عمان بعد معركة الكرامة، وبدت بعض التنظيمات الفلسطينية منبتة عن الواقع وتتوجه إلى تصعيد كبير، وحقيقة فإن أيلول الأسود لم يكن حدثًا مفاجئًا، ومقدماته الكثيرة توالت بعد المعركة، ففي 10 سبتمبر 1969 يتوجه بهجت التلهوني إلى القاهرة، ويذهب إلى عبد الناصر في منزله ليجد طلبًا مهذبًا بأن يجتمع مع نائب الرئيس أنور السادات، ليهدد التلهوني بالعودة إلى عمان وتقديم استقالة حكومته إذا لم يقابل عبد الناصر، وبالفعل يصعد إلى غرفته في زيارة بدت عيادة لمريض ويتابع الحديث عن الوضع المتأزم في عمان مع السادات.

لم يتمكن عبد الناصر تحت ضغط الهجوم الإسرائيلي في عملية الزعفرانة من التجاوب مع الأوضاع في الأردن، وكان على ياسر عرفات أن يكون عمليًا في مواجهة المزاودة الواسعة من تنظيمات كثيرة، وأن يحاول البقاء في الأردن لأن ذلك أفضل من التعامل مع السوريين المتحفظين والمتكتمين والذين يتخذون مواقفهم بصورة مستقلة، ولكن الأمور أخذت تفلت تمامًا حتى من عرفات، ومن صلاح خلف الذي حاول أن يجثمع التنظيمات وأن يضعها أمام حقيقة الموقف العبثي الذي تتخذه، وحديث بعضها عن إسقاط النظام في الأردن، وفي تلك المرحلة كان القذافي يظهر على الساحة، ليصبح لاعبًا جديدًا يغري الفصائل بالتمويل والسلاح، عبد الناصر الجديد بعد أن فقد عبد الناصر الأصلي لياقته بسبب الهزيمة والمرض.

ثم جاءت عملية اختطاف الطائرات ومطار الثورة، ووضعت الأردن في موقف محرج أمام العالم بأسره، فالطائرات كانت تنتمي إلى سويسرا وبريطانيا والولايات المتحدة، والركاب من جنسيات مختلفة، والملك الحسين في موقف محرج فعلًا، وكان عبد الناصر منزعجًا للغاية، ويقال أنه أعطى الضوء الأخضر لأحداث أيلول الأسود، فيتناقل البعض مقولة (أقرص أذنهم)، ولكن عبد الناصر لم يكن يدرك أن القدر يغلي منذ أشهر، وأنه نفسه تجاهل المناشدات الأردنية بالتدخل، وفي المقابل، كان ياسر عرفات عليه أن يظهر شجاعًا في مواجهة قوى تحاول الإطاحة به وتحجيمه لأنه الآخر أحد ممثلي الرجعية العربية.

البقية معروفة، يرحل الفدائيون إلى لبنان، ويتكرر نفس الخطأ في بيروت، ويغضب عرفات من جديد عندما حدثته الإعلامية اللبنانية ماريا معلوف وأشارت إلى جمهورية الفكهاني بوصفها منازعة من عرفات للبنانيين في السيادة على بلدهم، وكان الرجل غاضبًا حقًا لأن ما حدث في عمان وبيروت لم يكن أبدًا من صنيعته المباشرة ولا من غاياته فهو يعرف تمامًا أي موقع يشغله على رقعة العالم.

كانت معركة الكرامة صفحة ناصعة البياض في التاريخ العربي، وصل الفدائيون خلالها إلى الالتحام بالسكاكين في الميدان، بتغطية وهبة شجاعة من الجيش الأردني، وكان ضابط أردني من أصول أرمنية يطلب من رفاق السلاح أن يدكوا موقعه بالمدفعية ليستهدفوا الآليات الإسرائيلية التي تحاصره.

أكثر من ثمانين شهيدًا من الجيش الأردني ارتقوا في المعركة، ومعهم أكثر من مائتي فدائي وعند الحديث عن الفدائيين فهم لم يكونوا فلسطينيين فقط، بل وأردنيين وسوريين وعراقيين أيضًا.

لم يتمكن العقل العربي من التعامل مع الهزيمة بالصورة اللائقة، ويبدو أنه لم يتمكن من التعامل مع النصر أيضًا.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :