facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




مجلس محمد بن زايد منصّة للتسامح


عبدالرحمن النقبي
21-03-2025 03:51 PM

في عصرٍ تتقاطع فيه التحوّلات العالمية مع تحديات الهوية والعيش المشترك، يبرز “مجلس محمد بن زايد” بوصفه نموذجاً رائداً لمنصة فكرية وإنسانية تستند إلى العقل، وتستشرف المستقبل، وتُعزّز قيم التعايش والحوار والانفتاح على الآخر. هذه المبادرة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، تُمثّل تجسيداً حيًّا لإيمانه العميق بأن الإنسان هو أساس النهضة، وأن الكلمة الصادقة، والفكرة العميقة، والحوار المتزن هي أدوات بناء الأمم الراقية.

مجلس محمد بن زايد هو مشروع حضاري ممتد ويعمل على مدار العام، يستقطب نخبة من المفكرين والعلماء وقادة الرأي من مختلف بقاع العالم. وهو في جوهره منبر للعقول المستنيرة، ومساحة رحبة للحوار الذي يتجاوز الجغرافيا والدين واللغة. يناقش قضايا عصرية من صميم واقعنا: مثل الاستدامة، التكنولوجيا، الأمن الغذائي، تمكين الشباب، التسامح، والهوية الثقافية. كل جلسة منه تمثّل خيطاً يُنسَج في نسيج وطني يرتقي بالفكر ويثبّت ركائز السلم المجتمعي.

وقد سعدتُ بحضور إحدى فعاليات هذا المجلس، وهي محاضرة عنوانها “التسامح والتعايش في الفكر الإسلامي”، شارك فيها كل من د. شايع الوقيّان، ود. مشهد العلاّف، ود. فاطمة الدهماني. ما طُرح فيها لم يكن حديثًا تقليديًا عن الفضيلة، بل كان تحليلًا عميقًا للجذور الفلسفية والفكرية التي تجعل من التسامح ضرورة لا خيارًا، وقيمة لا مجاملة.

أشار المحاضرون إلى أن الكون قائم على التعدد، والتنوع أصل في الخلق، لا استثناء، تماماً كما الليل والنهار، والفصول الأربعة، واختلاف الألسن والألوان. التسامح في الفكر الإسلامي، كما بيّنوا، ليس شعارًا بل مبدأ أصيل، ومظهر من مظاهر احترام الكرامة الإنسانية.

استحضارهم لآية “لا إكراه في الدين” لم يكن استشهادًا عابرًا، بل دعامة تؤكد أن الإسلام بنى علاقة الإنسان بالآخر على الحرية والعقل والاحترام. وقد شدد المحاضرون على أن كل فلاسفة الإسلام الكبار، من الكندي إلى ابن رشد، كانوا يؤمنون بأهمية الاختلاف، ويرونه ضرورة لنمو المعرفة وتقدم المجتمعات.

ولعل اللافت في هذه المحاضرة أنها لم تكتف بطرح فكري مجرد، بل امتدت إلى بعدٍ وجداني من خلال الحديث عن الفنون بوصفها لغة إنسانية جامعة، تحمل في طياتها المشاعر المشتركة بين البشر من فرح وحزن وأمل وحنين. إن التقاء الناس حول لوحة أو لحن أو قصيدة يعكس قدرة الإبداع على تجاوز الفوارق، وصناعة روابط صامتة لكنها عميقة بين القلوب.

وهنا تتجلّى قيمة مجلس محمد بن زايد من جديد، فهو لا ينحصر في الطرح النخبوي أو الخطاب المؤسسي، بل يُقدم نموذجاً متكاملاً يجمع بين الفكر والعاطفة، بين التحليل والإلهام. إنه المجلس الذي يجعل من كل محاضرة فرصة لزرع فكرة، ومن كل حوار بذرة لوعي جديد. يربط بين الماضي والمستقبل، ويصنع من الحاضر مساحة لإعادة التفكير في العالم من حولنا.

إن من يتابع هذا المجلس، أو يحضر إحدى فعالياته، يُدرك أنه لا يهدف فقط إلى التثقيف، بل إلى تكوين جيل من المواطنين الواعين، المتصالحين مع ذواتهم، المنفتحين على العالم، المتمسكين بقيمهم دون تعصب، والمنخرطين في حركة البناء والتنمية بروح إيجابية ومستنيرة.

مجلس محمد بن زايد ليس مجرد فعالية، بل هو حالة فكرية متقدمة، ومشروع وطني عميق الجذور، يضع الإمارات في طليعة الدول التي تُراهن على الإنسان، وتحسن استثمار المعرفة، وتبني مجتمعات لا تُقصي أحدًا، بل تحتضن الجميع ضمن إطار من الاحترام والتعدد والتكامل. وما أحوجنا، في هذا الزمن، إلى مثل هذا النموذج الذي يذكرنا أن الإنسانية هي الرابط الأول بيننا، وأن التسامح هو الحاضنة التي تنمو فيها الأخلاق، وتزدهر من خلالها الأوطان.

* عبدالرحمن النقبي/ كاتب إماراتي ومدير إدارة الجوائز الأدبية بمركز أبوظبي.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :