أزمة السلامة المرورية: حلول سلوكية لإنقاذ الأرواح
م .زيد خالد المعايطة
21-03-2025 02:00 PM
صدمه فقدان أحد الابوين او أحد الأبناء تخلق غصة وحزن وكسر بحنايا الروح وصدعا قاسيا في جسد الأسرة قد يصعب الشفاء منه مهما طال العمر.
بلغت حوادث المرور في الأردن مستويات مقلقة، فبين الاعوام ٢٠٢٠ الى ٢٠٢٣ فقد الأردن ما يقارب (٢١٧٢) شخص في حوادث السير وهو ما يعادل ١٥ ٪من مجموع الوفيات الإجمالية الناجمة عن جائحة كورونا خلال نفس الفترة، وبحسب الإحصاءات الرسمية فإن ٣٧٪ من الوفيات هم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين ١٨ و٣٥ عامًا وتشكل نسبة الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 17 عامًا ٢٣٪ من هذه الوفيات، مما يجعل من حوادث السير السبب الرئيسي و ربما الأول للوفاة بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ٥ و١٤ عامً ، بالإضافة إلى ذلك فقد تسببت حوادث السير في الأردن بأكثر من ضعف هذا العدد من الإعاقات الجسدية الدائمة والإصابات البليغة والتي كان جلها في فئه الشباب و الأطفال.
أما العبء المالي فلا يقل اثراً، فحسب التقارير الرسمية فقد بلغت التكلفة المالية لحوادث السير لعام ٢٠٢٣ وحده ما يقارب ٣٢١ مليون دينار، وهي تعادل حوالي٢٧٪ من عجز الموازنة العامة لذات العام، حيث تقدر وفقا لتقديرات البنك الدولي في تقريره الصادر عام ٢٠٢٤ بعنوان "The Burden Of Road traffic Injury In Jordan: Evidence for Policy" تكلفة حوادث السير والمشاكل المتعلقة بها في الأردن بما يقارب 6٪ من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا.
إلا أن هذه الأرقام لا تعكس سوى جزء صغير من اجمالي حجم الضرر العام، فخلف كل وفاة هناك أسرة تحطم استقرارها، آباء وامهات فقدوا طفلًا، أطفال فقدوا ابائهم بسبب قيادة شاب متهور، عائلات كامله خسرت معيلها الوحيد اما بسبب الموت، او السجن، أو أسر عاشت مثقلة برعاية أحد أفرادها المعاق مدى الحياة، فالأثار المدمرة للنتائج الاجتماعية والنفسية على النسيج الاجتماعي الاردني لا يمكن تقديرها برقم او إحصائية ثابته.
الجذور السلوكية للمشكلة
وفقًا للتقرير السنوي لحوادث المرور الصادر عن مديريه الامن العام لسنه ٢٠٢٣، سببت مخالفات السير المتعلقة بتغيير المسارب أو عدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة أثناء القيادة ما نسبته ٤٤٪ من حوادث السير والتي تشكل ٦١٪ من اجمالي حالات الوفاة الناتجة عنها. وحسب نفس التقرير، فإن نسبة ٩٦٪ من هذه الحوادث ناجم عن أخطاء العنصر البشري، مما يجعلها بالأساس قضية سلوكية.
لتقييم الجانب السلوكي من مشكله حوادث السير، يجب البحث فيما يعرف بالدوافع السلوكية Drives) (Behavioral خلف أسبابها ويمكن ربط هذه الأسباب بالحالة الأردنية عبر مجموعه من الدوافع الرئيسية التي تشمل على سبيل المثال لا الحصر:
1. الثقة المفرطة بالنفس حيث يبالغ العديد من السائقين وخاصه الشباب بتقدير مهاراتهم على المناورة اثناء القيادة، اعتقاداً منهم بأن حوادث السير لن تطالهم.
2. استعمال الهاتف بتطبيقاته المختلفة اثناء القيادة مما يضعف قدره السائق على التركيز.
3. توتر الحالة النفسية للسائق او عدم التركيز نتيجة القلق والانشغال الذهني.
4. انتشار ثقافه المخالفات بكثرة مما حولها لنوع من السلوكيات المقبولة عند شرائح واسعه من الناس.
حلول التدخلات سلوكية لمعالجه حوادث السير
نظرًا لأن المشكلة لها جذور سلوكية، فإن معالجه أسبابها تستوجب إعطاء الأولوية لأبحاث العلوم السلوكية والتدخلات المرتبطة بها حيث تهدف العلوم السلوكية إلى تحسين سلوك افراد المجتمع من خلال فهم وتوجيه الخيارات التي تتوافق مع السلامة الجماعية عبر معالجة المسببات السلوكية.
تقدم التدخلات السلوكية حلولا فعاله من حيث الوقت والتكلفة ويمكن تطبيقها على نطاق واسع لمختلف أنواع و أسباب الحوادث لتقليل حجم المخاطر، ومن الجدير بالذكر ضمن نفس السياق فقد نجحت الكثير من الدول الأوروبية وبعض دول الخليج العربي بدمج العلوم السلوكية بنجاح في خطط السياسات العامة من خلال استحداث وحدات متخصصه بدراسة السلوك المجتمعي، مع التنويه الى ان كل من السعودية و الامارات حققت نجاحات كبيره في هذا المجال والتي اشتملت على تنفيذ مشاريع تدخلات سلوكيه في مجال حوادث السير وأسبابها وارتباطها بالأنماط الثقافية في مجتمع كل منهما.
التدخلات السلوكية المقترحة مع تعزيز الجانب الثقافي:
1. الرسائل المستهدفة:
o تطوير حملات توعية تركز على التأثير العاطفي لحوادث المرور على العائلة، مع استخدام قصص واقعية من المجتمع الأردني.
o استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات التواصل المحلية لنشر فيديوهات مؤثرة وشهادات حية من ضحايا حوادث المرور وعائلاتهم.
o إطلاق حملات توعية في المدارس والجامعات لتعليم الشباب حول مسؤوليتهم تجاه عائلاتهم والمجتمع عند القيادة.
o زيادة التركيز على دور رجال الدين والمؤثرين في المجتمع، لأصدار رسائل توعية تعزز من قيم المحافظة على النفس، ودور العائلة.
2. التنبيهات المحلية المتكررة:
o إنشاء نظام للتنبيهات المحلية عبر تطبيقات الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي لإبلاغ المواطنين فور وقوع حوادث خطيرة في مناطقهم.
o عرض إحصائيات حوادث المرور بشكل دوري في الأماكن العامة مثل المراكز التجارية والمساجد والمؤسسات الحكومية.
o التنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني لتنظيم فعاليات توعية محلية وعقد ندوات ومحاضرات للتوعية بمخاطر حوادث المرور.
o حث المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات لتبني حملات توعية محلية مستمرة لطلبتهم ومحيطهم.
الخلاصة:
• يمكن للتدخلات السلوكية، عند دمجها مع الحلول التقليدية، أن تساهم بشكل كبير في الحد من حوادث المرور في الأردن.
• التركيز على القيم الثقافية الأردنية، مثل أهمية العائلة والروابط الاجتماعية، يمكن أن يعزز فعالية هذه التدخلات.
• تكامل جميع الأطراف المعنية من مؤسسات حكومية ومجتمع مدني، ورجال الدين والمؤثرين، للوصول الى مجتمع أمن مروريا.
*بقلم: م. زيد خالد المعايطة – باحث في العلوم السلوكية – London School Of Economics.