facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الحادي والعشرون من آذار


أ.د سلطان المعاني
21-03-2025 12:32 PM

الحادي والعشرون من آذار هو لحظة فارقة تتلاقى فيها رموز الطبيعة والإنسان والتاريخ، ليُشكِّل مشهدًا يتجدد كل عام، محمَّلًا بمعانٍ عميقة نابضة بالحياة والعطاء والتضحية.
إنه اليوم الذي تتساوى فيه ساعات الليل والنهار، حيث تنحني الشمس للربيع، معلنةً بداية فصل تتفتح فيه الأزهار، وتهبُّ فيه الأرض نسائم الدفء بعد شتاء طويل، وكأنها تستعيد روحها في لحظة ميلادٍ جديدة. إنه الانقلاب الربيعي، حيث تعود الطبيعة إلى بريقها، فتزهو الأشجار بأوراقها، وتتفجر الحياة من قلب الأرض، في دورة أزلية تذكر الإنسان بأن البذور التي تُغرس بالعطاء ستُزهر يومًا بالحياة.

وفي ذات اليوم، تُضاء القلوب احتفاءً بعيد الأم، ذلك العيد الذي يحمل أعظم معاني الحب والإيثار. إنها الأم التي لم تبخل بالعطاء، والتي احتضنت الحلم في عيون أطفالها، وصنعت من صبرها صروحًا يتكئ عليها الزمن. يُهدى إليها في هذا اليوم وردٌ يُشبه قلبها، وكلماتٌ تعجز عن أن توفيها حقها، وتظل رمزًا خالدًا للحب الذي لا ينضب، والمجد الذي لا يفنى. هي التي زرعت الأمل في أبنائها، وربَّتهم على معاني النبل والشجاعة، ليكونوا يومًا رجالًا ونساءً يحمون الأوطان، ويكتبون التاريخ بمداد الشرف والوفاء.

يوم الحادي والعشرين من آذار، وإن كان يومًا تتفتح فيه الأزهار ويُحتفى فيه بالأمهات، فإنه أيضًا يوم الكرامة، ذلك اليوم الذي روى فيه الأردنيون أرضهم بدمائهم الطاهرة، يومٌ تلاقى فيه المجد بالشهادة، وتجلى فيه الوطن بأبهى صوره، يومٌ كانت فيه الإرادة أقوى من الحديد، وكانت البطولة عنوانًا لأبناء الأرض التي لا تنحني هاماتهم فيه إلا لله. في ذلك اليوم، أشرقت الشمس على الأردن فلم ترَ إلا صمود الرجال وعزيمة الأبطال، ولم تسمع إلا هدير المدافع يعلن أن الكرامة لا تُشترى، وأن السيادة لا تُوهب، بل تُفتدى بأرواح لا تعرف الخوف، وقلوب لم تعرف يومًا إلا الشرف والوفاء.

كان النهر يومها يفيض دمًا، وكانت الأرض تتعطر برائحة البارود، بينما ارتفعت الأرواح إلى بارئها، تزفها الملائكة في مواكب النصر. كان اللون لون الدم، وكانت الريح تحمل عبق الشهادة، وكان المشهد أشبه بملحمة خالدة كُتبت بسواعد من صدقوا الله والوطن، أولئك الذين جعلوا من أجسادهم سدودًا تحمي الأرض، ومن أرواحهم جسورًا تعبر منها الأمة نحو العزة والحرية. وجاء يوم الكرامة إعلانًا خالدًا بأن الأردن بيت عز وفخر، وأن الكرامة عهدٌ يُصان، وموقفٌ يُحفر في صخور الأرض فلا تمحوه السنون.

وهكذا، يلتقي الحادي والعشرون من آذار بكل أبعاده، حيث الربيع يجدد الحياة، والأم تهبها بلا مقابل، والشهيد يرويها بدمه الطاهر، وكأن القدر أراد أن يجمع بين ميلاد الطبيعة، وميلاد الحب، وميلاد الكبرياء في يوم واحد، ليكون شاهدًا على أن الحياة لا تُبنى إلا بالعطاء، وأن العطاء لا يكون إلا بالحب، وأن الحب الأسمى هو ذلك الذي يُقدم بلا حساب، تمامًا كما تفعل الأم، وكما فعل الشهداء الذين آمنوا أن الوطن يستحق كل شيء، حتى لو كان الثمن أرواحهم.

وفي كل عام، حين يحل هذا اليوم، يُعيد التاريخ كلماته، ويقف الأردنيون، كما يقف كل إنسان يعرف معنى العزة، ليحيوا أمًّا كانت دربًا للحياة، ويرفعوا رؤوسهم فخرًا بأبطال لم يتراجعوا، وبأرضٍ أزهرت كرامةً ومجدًا من دمائهم الطاهرة.

في يوم الكرامة تاهت الأرض تحت سراتها.. وشاع الهوى على ضفتي النهر.. وغنى شجر الدفلى.. وكانت الخيل تجمح في الصدور وتعدو في الآفاق.. وقد طاب اللقاء.. وطابت المنازل.. فكان بكر الندى في ذلك الصباح الأردني.. يصعد فيه الشهداء بعد أن رَوَوا أرضه عطراً ودماً.. في ذلك النهار وهبت الحياة نداها وعلا نشيدها.. وهشت الربوات شذى وطيبا.

وفي ذلك اليوم سجلت المعجميات القديمة أن الرامة تعني المكان العالي، تخيّره الأبطال الأردنيون قرينة نصر وشهادة، فكان لهم ما أرادوا من نصر وكان لهم فيها اقتراب الجنة، وصحبة شرحبيل ومعاذ والجراح، وكان اللون لون الدم والريح ريح المسك، وتنزلت ملائكة السماء مددا مُردفين ... تاق أهل الكرامة لرؤيتهم ... فكان لهم ما أرادوا! عندها سام الأبطالُ الأردنيون الأعداءَ في السويمة مُر العذاب، وظل ملح أرضها يذكي جرح الهزيمة وخيبة الرجاء للمعتدي.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :