الأم وطن .. والوطن هو الكرامة
د. تمارا زريقات
21-03-2025 01:31 AM
تحلُّ اليوم ذكرى معركة الكرامة الخالدة، تلك الصفحة المُشرقة من تاريخ الأردن، التي سطّر فيها الجيش العربي أبلغ ملاحم البطولة والفداء في سبيل الدفاع عن ثرى الأردن الأعز والأبهى. جسدت هذه المعركة الرسالةً الأردنية الواضحة بأن الكرامة لا تُساوَم، وأن العزّة لا تُمنَح، بل تُنتزع انتزاعًا. في هذا اليوم العظيم، يوم الكرامة والشهامة، نستعيد بقلوب عامرةٍ بالفخر والإجلال بطولات الرجال الأوفياء الذين آمنوا بوطنهم، فنالوا شرف الشهادة على أرضه.
تجلّت خلال المعركة مشاهد البطولة والتضحية في مواقف خالدة، ومن بينها الموقف البطولي للضابط الشهيد خضر شكري يعقوب، الذي جسّد روح التضحية حين قال عبر جهاز اللاسلكي في اللحظات الأخيرة قبل استشهاده:
“الهدف موقعي، ارمِ، ارمِ!” والذي اختار التضحية بنفسه من أجل حماية وطنه وإيقاف تقدّم القوات الإسرائيلية المعتدية، مجسدًا بذلك أسمى معاني التضحية، وعاكسًا بعمق العقيدة العسكرية الأردنية التي تضع الوطن فوق كل اعتبار. هذه التضحية تستدعي كلمات المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال حين وصف جنود الأردن في تلك اللحظات الخالدة:
“وكانت الأسود تربض في الجنبات على أكتاف السفوح وفوق القمم… بيدها القليل من السلاح والكثير من العزم… وفي قلوبها العميق من الإيمان بالله والوطن… وتفجّر زئير الأسود الله أكبر… الله أكبر.”
وفي هذه المناسبة الوطنية، نرفع القبعات احترامًا وإجلالًا لكل من ضحّى واستُشهد، ولكل جندي كان مثالًا للشجاعة والعطاء. هؤلاء الأبطال، الذين صدقت فيهم كلمات الملك الحسين رحمه الله حين خاطبهم في القدس قائلًا:
“اصمدوا اصبروا ورابطوا، اقتلوهم حيث وجدتموهم، بأسلحتكم، بأيديكم، بأظافركم، بأسنانكم.”
هي كلمات القائد الشجاع التي بثّت في نفوس الجنود عزمًا لا يلين، وعزّزت صمودهم حتى حققوا نصرًا عربيًا تاريخيًا أعاد للأمة كرامتها وثقتها بنفسها بعد مرارة الهزيمة.
ولعلَّ ما يزيد من عمق رمزية هذه الذكرى المجيدة تزامنها مع عيد الأم؛ فالأم الأردنية التي أنجبت وربّت أبطال الكرامة هي نفسها التي تغنى الأردنيون بها قائلين: “أنا أمي أردنية شكشكتني بالكرم.” فالأم التي غرست قيم الشجاعة والكرامة في أبنائها هي ذاتها الوطن الذي منحهم الهوية والاعتزاز. إن تلاقي هاتين المناسبتين يؤكد أن الوطن والأم وجهان لمعنىً واحد، يتجلى في التضحية والوفاء والعطاء بلا حدود.
ستبقى معركة الكرامة رمزًا حيًا لفخر الأردنيين، ودليلًا ساطعًا على حكمة القيادة الهاشمية وشجاعة الجيش العربي الأردني، الذي استطاع في ساعاتٍ قليلة أن يكسر أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، ويُعيد للعرب جميعًا أملًا كاد أن ينطفئ. فهذه المعركة، بمواقفها وتضحياتها، ليست مجرد ذكرى تاريخية عابرة، بل هي درسٌ خالدٌ للأجيال القادمة، يؤكد أن الكرامة تُصنع بالإيمان والتضحيات، وأن تاريخ الأمم لا يُكتب إلا بدماء الشهداء وعزيمة الأبطال.