إعداد طلبة الجامعات لمتطلبات سوق العمل عبر الذكاء الاصطناعي
د. علي الروضان
20-03-2025 08:12 PM
عمون - في ظل تسارع التطورات التكنولوجية عالميًا، أصبح الذكاء الاصطناعي يشغل مكانة محورية في مختلف القطاعات الصناعية والخدمية، بدءًا من الرعاية الصحية والمالية وصولًا إلى قطاع الخدمات اللوجستية وإدارة سلاسل التوريد. وأمام هذا التحوّل المتسارع، تزداد حاجة طلبة الجامعات إلى اكتساب مهارات متقدمة تواكب متطلبات سوق العمل، مما يجعل دمج دورات تدريبية وبرامج تعليمية متخصصة في الذكاء الاصطناعي ضرورة ملحّة وليست خيارًا.
تشير تقارير دولية حديثة إلى أنّ الشركات حول العالم تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحسين الكفاءة، وخفض التكاليف، وابتكار منتجات وخدمات جديدة. ففي المجال الطبي، تُستخدم خوارزميات التعلّم الآلي لتشخيص الأمراض وتحليل صور الأشعة، بينما تعتمد المؤسسات المالية على تقنيات الذكاء الاصطناعي في رصد عمليات الاحتيال والتنبؤ بمؤشرات الأسواق. أما في قطاع الخدمات اللوجستية وإدارة سلاسل التوريد، فتستفيد الشركات من أنظمة تحليل البيانات لتوقّع الطلب، وتحسين مسارات الشحن، وتقليص وقت التسليم. هذا التنوّع في الاستخدامات يدفع أرباب العمل إلى البحث عن خرّيجين يمتلكون فهمًا عميقًا بأساسيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته العملية.
لم تعد دراسة الذكاء الاصطناعي مقتصرة على كليات الهندسة وعلوم الحاسوب، بل بدأت العديد من الجامعات حول العالم بدمجه في مختلف التخصصات الأكاديمية. فقد أنشأت بعض المؤسسات التعليمية الكبرى أقسامًا متخصصة لتطوير هذه التقنية في مجالات الطب، والأعمال، والهندسة، وغيرها. فعلى سبيل المثال، طوّرت إحدى الجامعات الرائدة في الولايات المتحدة برنامجًا أكاديميًا شاملاً يضم العديد من المقررات في الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، وهو متاح لطلاب العلوم الإنسانية والاجتماعية مثلما يستفيد منه طلاب التخصصات العلمية. وبالإضافة إلى ذلك، أصبح اجتياز مقررات في التعلّم الآلي وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي متطلبًا إلزاميًا لجميع الطلاب، انطلاقًا من رؤية تهدف إلى جعل المعرفة الرقمية مهارة أساسية، كإتقان اللغات أو مهارات التواصل.
يشير خبراء التعليم والتكنولوجيا حول العالم إلى مجموعة من المهارات والمقررات التي تعزّز جاهزية الطلبة لسوق العمل، من بينها تعلّم أساسيات الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي باستخدام لغات برمجة سهلة مثل بايثون (Python)، والتدرب على تحليل البيانات عبر أدوات وتقنيات متقدمة، بالإضافة إلى الإلمام بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي وأبعاده الإنسانية. كما يُنصح بالتركيز على التطبيقات العملية لهذه التقنية في تخصصات متنوعة، مثل تحليل الصور الطبية لطلبة الطب، وابتكار حلول متقدمة لإدارة سلاسل التوريد والخدمات اللوجستية لطلبة إدارة الأعمال، وصولًا إلى توظيف النماذج التوليدية (Generative AI) في مجالات التصميم والفنون. إلى جانب ذلك، يمكن للجامعات تشجيع الطلبة على الانخراط في مشاريع تخرج أو تدريبات ميدانية تتيح لهم التفاعل مع بيئات عمل حقيقية والتعاون مع شركات متخصّصة، مما يعزز فرص توظيفهم مستقبلًا.
وفي النهاية، يمكن القول أن هذه الجهود أثبتت فاعليتها في زيادة فرص التوظيف لدى الخريجين، إذ أفاد أرباب العمل في استطلاعات حديثة بأن المرشحين الذين يمتلكون مهارات رقمية وقدرة على توظيف التقنيات الذكية في حل المشكلات يتمتعون بأفضلية عند التوظيف. كما أن العديد من الشركات الكبرى أطلقت برامج توظيف مخصصة لاستقطاب خرّيجين لديهم معرفة تطبيقية بمفاهيم الذكاء الاصطناعي. وبذلك، يصبح دمج الذكاء الاصطناعي في المناهج الجامعية خطوة هامة لمواكبة التحولات السريعة في سوق العمل، وتمكين طلبة الجامعات من اكتساب المهارات اللازمة للاندماج في عالم رقمي متسارع التطور.