تأتي ذكرى معركة الكرامة هذا العام، في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها الأراضي الفلسطينية وخاصة قطاع غزة، لتحمل طابعًا،يحمل في طياته الكثير من الألم والأمل في نفس الوقت.
يبدو أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قد دخل مرحلة أكثر تعقيدًا وصعوبة، مما يجعل التذكير بمعركة الكرامة هذا العام أكثر أهمية، كإحدى أبرز المعارك العسكرية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.
لقد وقعت في 21 مارس 1968 في منطقة الكرامة الواقعة بالقرب من نهر الأردن، وعلى بُعد حوالي 10 كم شرق مدينة السلط، بالقرب من الحدود الأردنية مع الضفة الغربية، بين الجيش الأردني والمقاومة الفلسطينية من جهة، والقوات الإسرائيلية من جهة أخرى.
كان الدفاع الأردني والفلسطيني قويًا بشكل غير متوقع، مما أربك الكيان الإسرائيلي، الذي كان يأمل بتحقيق انتصار سريع.
في معركة الكرامة لم يكن للسياسة دور في هذه المعركة، فقد كانت بين قوة مهاجمة وقوة مدافعة، وكان القرار فيها الصمود وتحقيق النصر بأي ثمن.
يومها تلقى الضابط المناوب في مركز القيادة الأردني أول بلاغ عن الهجوم الإسرائيلي في الخامسة صباحًا. كان الهجوم الإسرائيلي يشمل قوة كبيرة من الدبابات والمشاة والطائرات الحربية.
كان قائد المنطقة العسكرية في ذلك الوقت هو العميد مشهور حديثه الجازي، الذي تولى قيادة العمليات العسكرية في معركة الكرامة. بعد تلقي البلاغ، أصدر الجازي أوامره بسرعة لحشد القوات، وأمر بالاستعداد الكامل لملاقاة الهجوم الإسرائيلي.
لقد كان قراره أن يكون الضباط في المقدمة، وأن التراجع ليس خيارًا مهما كان السبب، حتى لو وصلت المعركة إلى الالتحام يدًا بيد، بالرغم من أن الإسرائيليين كانوا يعتقدون بعدم وجود أي التزام بالقتال لدى الأردنيين بعد هزيمة حزيران 1967.
قاد العميد مشهور الجازي العمليات العسكرية من أرض المعركة، وركز على استخدام التضاريس بشكل فعّال، مما أعطى ميزة دفاعية قوية في مواجهة الكيان الإسرائيلي. منطقة الكرامة تتمتع بتضاريس جبلية وصحراوية صعبة، ما صعب تحرك الدبابات الإسرائيلية بشكل سريع. وقد كان لهذا العامل دور كبير في إبطاء تقدم القوات الإسرائيلية، حيث تمكن المقاومون من تدمير العديد من الدبابات المدرعة.
لقد كانت هذه المعركة الأولى التي يواجه فيها الجيش الإسرائيلي مقاومة قوية ومنظمة، وقد أسفرت المعركة عن خسائر كبيرة في صفوف الكيان الإسرائيلي، سواء في الأفراد أو المعدات.
ورغم كثافة نيران المدفعية وكثافة الدروع المهاجمة، إلا أن صمود الجندي والقائد معًا، جعل الكيان الإسرائيلي يتراجع، ويطلب وقف إطلاق النار بعد مرور 18 ساعة على بدء المعركة.وعلى حد قول مشهور حديثة: "كانت المعركة تحت شعار: كل البنادق ضد إسرائيل"، فكانت النتيجة النصر.
معركة الكرامة كانت دليلًا تاريخيًا أحدث تحولًا في موازين القوى، ونقطة فارقة في النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي.
لقد شكلت معركة الكرامة محطة تاريخية هامة في النضال العربي ضد الاحتلال الإسرائيلي، وأثبتت أن الصمود والإرادة يمكن أن يتغلبا على الفارق الكبير في القدرات العسكرية.
ذكرى معركة الكرامة هذا العام تحمل رسالة واحدة: "لن تكسر صاحب الحق الصعاب". مثلما كانت الكرامة رمزًا للصمود والانتصار في مواجهة العدوان الإسرائيلي في الماضي، فهي اليوم تظل رمزًا للانتصارات التي تحققت من أجل العدالة والحرية والكرامة.
ذكرى معركة الكرامة هذا العام هي فرصة لتذكير الأجيال الجديدة بتاريخ النضال ضد الاستعمار، وكيف أن هناك جيلًا قد وقف معًا ضد الاحتلال. فالأجيال الجديدة، التي ربما لم تعايش تلك اللحظات، بحاجة إلى أن تعرف أن تاريخ مقاومتهم هو امتداد لنضال طويل ضد الظلم، وأن هناك أملًا دائمًا في المستقبل رغم قسوة الحاضر.حمى الله كل نوايا الخير.
الراي