الهاشميون والثورة العربية والكرامة
د. عواد السويلميين
20-03-2025 01:19 PM
أسهمت نشأة الملك عبدالله الثاني بن الحسين في كنف والده الملك الراحل الحسين بن طلال، علمه التواضع والحكمة، فوسع مداركه للاكتساب منه والتأثير به، فالملك الحسين كان صاحب رؤية سياسية وحكمة قل نظيرها بين قيادات العالم، وهذا ما عبر عنه الملك عبدالله الثاني لبرنامج (لاري كنغ لايف) الذي بثته "سي ان ان" في 4 حزيران 2000، حيث قال: "تعلمت تجارب والدي الذي صقلته تجربة الحكم فأصبح يتفهم الأمور بصورة أفضل وتقبلها، بينما ما زلت أنا أريد إتمام كل شيء، لقد كان والدي حياتي ومصدر إلهامي وكان مليكي أيضاً والذين كانوا يعرفونه ويعرفون الأردن، يدركون كونه قائداً مثالياً، كان مليكاً وأباً لنا جميعاً، وهو شخص أجللته طيلة حياتي".
والملك عبدالله الثاني بن الحسين ورث شرعية دينية وصلت إليه عبر (14) قرناً من تاريخ الرسالة المحمدية، فهو يمثل الجيل الثالث والأربعين من النسب الشريف للنبي محمد "صلى الله عليه وسلم" وورث الشرعية التاريخية، التي قدمت إليه من مكانة العائلة الهاشمية في قيادة الأمة الإسلامية، فالثورة العربية الكبرى التي قادها الراحل الشريف حسين بن علي تمثل بداية عهد استقلال وتحرر الأمة العربية فالرسالة والراية الهاشمية لا زالت خفاقة مستندة إلى مرتكزاتها الأصيلة، وهي التحرر والاستقلال والوحدة، فالشرعية السياسية والتي تعني "تطابق قيم النظام السياسي مع قيم الناس" ودرجة القبول العام لقرارات النظام السياسي هي واضحة تماماً في حكم العائلة الهاشمية منذ عهد الملك الراحل المؤسس عبدالله الأول إلى عهد الملك عبدالله الثاني بن الحسين قائد المسيرة إلى الألفية الثالثة .
وقد اعتمدت الثورة العربية الكبرى فلسفة مؤسسها الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه الذي كان ينادي بالحرية، وبالكرامة العربية. ضمن إطار الإسلام عقيدة ودستوراً ومبدأ، فتردد صداها ليملأ العالم العربي كله، وشكلت حدثاً عظيماً ومنعطفاً بارزاً في تاريخ الأمة العربية، فقد قامت من أجل تحرير العرب من الظلم والاستبداد والجهل والتبعية وبذلك كانت ثورة سياسية وعسكرية واجتماعية، وتعبر عن مشروع قومي فالعقل العربي للهاشميين قادة الثورة يمثل استجابة لروح مشروع النهضة العربية.
فيما تمثل معركة الكرامة نقطة تحول على الغطرسة والهيمنة الإسرائيلية، وتمكنت القوات المسلحة الأردنية من تدمير قوات العدو ومنعها من تحقيق أهدافها، ولم ينل العدو من ثبات الأردن وصموده، وارتفعت معنويات الجيش الأردني وزاد التلاحم بين القيادة والشعب وعادت الثقة بالجيش المصطفوي وحطم أسطورة الجيش الإسرائيلي (الجيش الذي لا يقهر)، وتمكن المقاتل الأردني من الثبات والتشبث في الأرض وبغزيمة لن تلين.
وفي كلمته التاريخية قال المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال – طيب الله ثراه - في اليوم التالي للمعركة:" وإذا كان لي أن أشير إلى شيء من الدروس المستفادة من هذه المعركة يا إخوتي، فإن الصلف والغرور يؤديان إلى الهزيمة، وإن الإيمان بالله والتصميم على الثبات مهما كانت التضحية هما الطريق الأول إلى النصر، ولقد مثلت معركة الكرامة بأبعادها المختلفة منعطفاً هاماً في حياتنا، ذلك أنها هزت بعنف أسطورة التفوق الإسرائيلي، وأثبتت أمام العالم أن دروع جيشنا الباسل، وسواعد أبنائنا البررة قادرة على تحقيق النصر، وحماية أرض الوطن من هجمات الغزاة الطامعين.
وأبرزت معركة الكرامة التلاحم الرائع بين أبناء الشعب والقوات المسلحة حيث اختلطت دماء المقاومين المناضلين بدماء إخوانهم من كافة الأسلحة والرتب كل ذلك تم بفضل إيمانكم بفضل ما قمتم به من جهد، وما حققتم من تنظيم حيث أعدت أحكام صفوفكم وأحسنتم استخدام السلاح الذي وضع في أيديكم وطبقت الأساليب الحديثة من الخطط العسكرية مما دفع الاحتلال الإسرائيلي للطلب ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وقف إطلاق النار في الساعة الحادية عشرة والنصف من يوم المعركة، إلا أن الأردن أصر وعلى لسان الملك حسين على "عدم وقف إطلاق النار طالما أن هناك جندياً إسرائيلياً واحداً شرقي النهر".